TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > سحور سياسي فـي مقهى شعبي!

سحور سياسي فـي مقهى شعبي!

نشر في: 28 أغسطس, 2011: 06:13 م

د. رواء هاديمهنة الصحافة والإعلام ليست كغيرها من المهن، إذ يمكن احترافها حتى ممن لم يدرس الإعلام ويضطلع بتفاصيله النظرية وأسراره وخباياه، ما دام ممتلكا الملكة الأدبية، وسعة الأفق والمخيّلة، والقدرة على التحاور والمخاطبة، فضلاً عن التمتع بالكاريزما والقبول لدى الجمهور وهي خاصية مهمة جداً لمقدمي البرامج. لذلك وجدنا أن الكثيرين ممن لم يعرفوا شيئاً عن الأبجديات الأكاديمية للصحافة والإعلام، انخرطوا في مجال العمل الإعلامي وقد نجحوا فيه وتألقوا، واكتسبوا عن طريق خوضهم غمار هذا العمل خبرة لا بأس بها استعاضوا بها عن الدراسة الأكاديمية التي عادة ما تصقل الموهبة وتشذبها، وتضع العامل في هذا المجال على الطريق الصحيح.
وبينما احترف كثيرون فن الكتابة، وبرع آخر في العمل الإذاعي والتلفزيوني، نجد أن غيرهم قد أخفق بشكل واضح في احتراف هذه المهنة، ما يذكرنا بالمثل الشعبي القائل (انطي العيش لخبازه).ومما لفت الانتباه خلال شهر رمضان المبارك برنامج (سحور سياسي) على قناة البغدادية لمقدمه ومعده عماد العبادي، إذ يستضيف هذا البرنامج شخصيات سياسية أو لها مواقف سياسية، للتحاور معهم في الشأن السياسي، ولأن السياسة تهمنا جميعا بعدّها مفصلاً أساساً من مفاصل حياتنا، تجد أن الناس تبحث وتتابع بشكل دؤوب البرامج السياسية بغية التعرف على بواطن الأمور أو هكذا يظن المتلقي!والعجيب في هذا البرنامج (سحور سياسي) الطريقة التي يعتمدها مقدم البرنامج في أسلوب التحاور مع الضيف وبلهجة عامية غير محببة، ما يجعلنا نعتقد أننا نجلس في مقهى شعبي يؤمه عامة الناس وليس خاصتهم.. إذ يتعمد المقدم وكأنه يتبع ستراتيجية معينة لإهانة الضيف بدلا عن تقديم طروحاته الفكرية والسياسية للجمهور، أو دفع الضيف للإساءة والتشهير بالحكومة الموقرة.. فهو يتعامل معه بأسلوب فظ بعيد عن الاحترام الواجب التعامل به مع ضيوفنا حتى وإن كنا على خلاف معهم في وجهات النظر، وهذا يذكرنا بمثل آخر ما دمنا في مقهى شعبي (من جاء إلى دارك جاب الحق عليك)! وإذا كان عماد العبادي يتعمد بأسلوبه ذاك تحقير الشخصيات التي يستضيفها أو التقليل من شأنها، أو أنه يحاول تسليط الضوء على إخفاقات هذه الشخصيات وإحراجها، أو وضعها بموضع المواجهة مع الحكومة، فإن هناك أساليب كثيرة يعمد إليها الإعلامي المحترف المتمكن من أدواته بما يدلل على خبرته ولياقته ولباقته في فن التحاور، دون الوقوع في فخ الإساءة إلى الضيف أو جعله في موضع الاتهام.فضلاً عن ذلك، ومما يلفت الانتباه وقد صار محلاً للتندر عند الناس، الانتقالات المفاجئة وغير المترابطة منطقياً في الأسئلة الموجهة إلى الضيف، إذ يقفز المقدم من سؤال إلى آخر بطريقته الهجومية التهكمية وابتسامته الصفراء، دون وجود رابط فكري منطقي بين سؤال وآخر، فضلا أيضا عن استمراره النظر إلى ورقة الأسئلة، والتطلع بين الفينة والأخرى نحو الكاميرا أو الواقفين خلفها من المصورين وغيرهم، وهو الأمر المنافي لأدنى درجات المهنية. وإنه لأمر محزن أن تستعين وسائل الإعلام بأشخاص ذوي خبرات محدودة في مجال مهم وحيوي كمجال العمل الإعلامي دون النظر إلى الخلفية التي تؤهل صاحبها للنجاح والإبداع في هذا العمل.. وإذا كان هذا البرنامج قد حقق نسبة كبيرة من المشاهدة، فلا يعني ذلك أبدا أنه قد حقق  النجاح المأمول، وإنما ديدن الناس الإطلاع على كل غريب، وأشهد أن مقدم البرنامج قد جعل برنامجه غريبا عجيبا بحق!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram