TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما يا عراق :يا فــالـــح

سلاما يا عراق :يا فــالـــح

نشر في: 28 أغسطس, 2011: 08:11 م

 هاشم العقابي هكذا كان المطرب رياض احمد ينادي على الكمنجاتي فالح حسن حين يندمج بأداء طور المحمداوي. نداء كما الصرخة يأتي من رياض ليزيد فالح اندماجا مع أوتار كمانه فتحتار، كمستمع، الى أي منهما  تنشد. هل لرياض الذي هذب المحمداوي وجعله محبوبا عند أبناء المدينة مثلما هو معشوق عند أهل الريف؟ أم إلى فالح الذي يجعل القلوب خاشعة متصعدة من عذوبة عزفه؟
فكرة الكتابة عن فالح حسن راودتني منذ ثلاثة أشهر بعد أن أنهيت قراءة رواية "العمى" لجوزيه ساراماجو. كنت أثناء قراءتها استحضر صورة فالح الأعمى. لا بل كانت صورة بطل الرواية تتجسد في مخيلتي بصورتها. أحسست،  آنها، بشدة القسوة والمرارة التي كان يعاني منهما "أمير الكمان". هكذا كان المطربون يلقبون فالح.وقبل اسبوعين حضر فالح ببالي مرة أخرى، وانا أعيد  قراءة  رواية "العطر" لباتريك زوسكيند. فان كانت مشكلة فقدان حاسة البصر هي  محور "العمى"، فان محور "العطر" هو مشكلة بطلها الذي يمتلك حاسة متفوقة جدا في قدرته على شم الروائح وتحليل عناصرها وفهم تأثيرها على سلوك الناس. كانت لديه عبقرية فطرية في فهم عالم الروائح وصنعها وتحويرها  دون ان يقرأ عنها شيئا أو يتعلم قواعد صنعها اكاديميا.وفالح حسن، الذي رغم انه درس الموسيقى في معهد الأمل، الا انه كان محروما من قراءة النوتات الموسيقية والاطلاع على المؤلفات الأكاديمية المتخصصة في علم الموسيقى بسبب عماه. ومع هذا كان يمتلك حاسة سمع عبقرية يستطيع من خلالها، وبفطرته،, تقدير ما يحتاجه "الجو" الذي يحيط بالمطرب وبالأغنية. ليس هذا، حسب، بل ان لديه قدرة فائقة على الإحساس بحاجة المتلقي أو الجمهور الذي يستمع للمطرب. ومن هنا  نراه بين حين وآخر "يخرج على النص" ليختار معزوفة لأغنية معروفة  أو تقاسيم يرتجلها لتخفيف الشد الانفعالي الذي يلف الجمهور، أو ليزيد  الجو دفئا  ان احس به قد انحدر نحو البرودة والملل. سمعته مرة يقسم بأنه لو يمتلك ربع عين فقط، لكان اسمه الآن يتجاوز الكمنجاتي عبود عبد العال أو غيره.في منتصف الثمانينيات اتصل بي صديقي الأعز وابن عمي  الشاعر عباس الخياط ليخبرني ان فالح اتجه لبريطانيا لعلاج عينيه وأوصاني ان اهتم به. وفعلا واظبت على الاتصال به الى أن نجحت  العملية. كان جل اهتمامه ان يسرع بالعودة الى العراق كي يبدأ مرحلة جديدة في حياته الموسيقية. ولأكثر من سبب انقطع بيننا الاتصال، لكني كنت في انتظار ما الذي سيحققه هذا الثروة الموسيقية الذي شغل دنيا الأغنية العراقية وهو اعمى.  فكيف سيفعل وقد صار يرى؟ لم اسمع شيئا منه الى أن  شاهدته قبل أيام على قناة "الحرة" وقد غطا شعره الشيب وعلا وجهه الحزن. إذن ما زال أعمى؟ ليش يا فالح؟أجاب وكأنه يسمع سؤالي عن بعد. قال لمقدم البرنامج انه حين عاد فرحا من لندن الى بغداد توجه الى قسم الموسيقى بالإذاعة حاملا فرحته بين عينيه. وهناك وجد  مسؤولا كبيرا بالقسم، أو ربما قال انه  رئيس القسم. يقول فالح:  "قلت له أستاذ ها انا أراك. وها هي طاولتك. واستطيع الآن ان أميز وجه فلان أو فلان". يضيف فالح بان المسؤول "الموسيقار" نهره ورد عليه: "مو زين خليناك تشوف اي بعد شتريد؟". صمت فالح وكأن العبرة قد خنقته، ليكمل: "عندها بكيت بمرارة فانطفأت عيني وعاد لها العمى من جديد". لم أتمالك دموعي وانا استمع اليه. أما "فلان"، فلم اكتب اسمه ليس احتراما، بل لأني لم اصدق ان مثله ينزلق الى هذا الرد اللا أنساني. حاولت ان أشاهد الإعادة كي أتأكد انه هو، لكني للأسف لم افلح بمشاهدتها مرة أخرى. فان كان فنانونا، خاصة الموسيقيين منهم ، والذين نفترض بهم رهافة  الحس ورقة الطبع، يتعاملون مع الضرير المبدع بهكذا قسوة،  فكيف نلوم السياسي ان هو قسا على المبصر والبصير؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram