حازم مبيضين دون أن نتهم جهة معينة بجريمة الاعتداء على الفنان السوري الكبير علي فرزات, فإن أصابع الاتهام تتجه وحدها إلى المتعصبين للنظام السوري, وهؤلاء بحكم الظروف يمتلكون اليوم حق الاجتهاد دون العودة إلى أي مرجعية, إما لأن المرجعيات منحتهم صلاحيات استثنائية, أو أنها مشغولة بما هو أهم مما تراه حوادث فردية صغيرة, مثل جريمة الاعتداء على فرزات التي لم تكن صغيرة
وهي استثارت الكثير من ردود الفعل الغاضبة والإدانات, لم يكن المعتدون يتوقعونها, ولعل هذا ما أجبر وزارة الداخلية السورية على فتح تحقيق في الموضوع, بزعم كشف الفاعلين وتقديمهم للمحاكمة, وهو ما لن يتم اليوم أو غداً أو بعد عشرات السنين.علي فرزات الذي بدأ حياته بأمل أن يكون طياراً يحلق في الأجواء, لم يتمكن من غير التحليق في أجواء الفن والخيال, وهي أجواء حلق فيها معه الملايين من أبناء شعبه السوريين, والملايين من العرب الذين اندهشوا بقدرته على انتزاع ابتساماتهم رغم قتامة سواد عيشهم في ظل الأنظمة الاستبدادية المتحكمة بحياتهم, وهو في إبداعه الفني اعتمد على دقة الأداء الفني والقدرة على التقاط المفارقة, وعلى وعيه السياسي وخلفيته الثقافية والفنية, وهذه جميعاً مؤهلات أساسية لابد منها للفنان الراغب في التأثير في حياة مجتمعه, وقد نجح في مبتغاه إلى أقصى الحدود, وكان يفضل الرسم بدون تعليق لأنه الأكثر تبليغاً وتأثيراً في النفس عبر مخاطبته للذهن وهو يستدل على ذلك بكون الكاريكاتير لغة عالمية لا تحتاج إلى شرح أو كلمات ويستشهد بأن الكاتب لا يرسم فلماذا يكتب الرسام؟. الدومري لم يقم بأكثر من الاستجابة لنداء ضميره الوطني والأخلاقي والمهني, لم يكن الفن عنده أقل من صدق يرتكز أساساً على مقومات نقل التعبير عن الذات وعن الآخرين إلى الورق، ولاسيما أن الكاريكاتير مجال واسع لا حدود له في الطرح ،ويستعير كل أدوات الحياة لتبليغ فكرة معينة حسب الضرورات الفكرية والسياسية والاجتماعية, لم يكن فرزات ليرضى بالتصنيفات ،وهو لذلك لا يؤمن بالفصل مابين السياسة والمجتمع, فالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في رأيه واحدة متكاملة، والسياسة لا تنفصل عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية, وهو يعلن بأعلى الصوت أنه عندما يرسم مسألة اجتماعية فبالتالي يكون قد تناول قضية سياسية من خلال هذه المشكلة وأيضاً يكون تناول حالة اقتصادية في وقت واحد.علي فرزات يمتلك فقط عقلاً نيراً متفتحاً, وريشة ساحرة وقلباً ليس فيه غير حب الوطن, ومع ذلك يتعرض لجريمة ارتكبها أناس لا يمتلكون شيئاً مما عنده, وهم استهدفوا يديه وأصابعه دون إدراك أن هذه أدوات منفذة, وأن الأكثر أهمية هو ما يعتمل في فكره, وما يملأ فضاءات روحه وما ينبض به قلبه, ويجهل الجناة أن تكسير أصابع الدومري لن يمنعه من الرسم مجدداً, وأن الدومري حين انكسرت أصابعه, فانها كانت تتقد شموعاً تنير الدرب, وتمنح محبيه الأمل في غد أفضل لهم ولبلدهم.
في الحدث :الـدومــري يـوقــد أصابعه شمعاً
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 28 أغسطس, 2011: 08:27 م