ترجمة المدى عن: نيويورك تايمز كثير من العوامل دعمت فكرة إسقاط صدام عام 2003 ، بينها الأمل في أن إسقاط النظام سوف يخلق ديمقراطية ليبرالية " حرة ... مستقرة ... مزدهرة " حسب كلمات الرئيس جورج بوش . و كان متوقعا أن الديمقراطية العراقية ذات الطراز الغربي ستكون نموذجا لتحرير دول أخرى في الشرق الأوسط ،
إلا أن أحداث السنوات الثماني الماضية أعطت صورة مختلفة تماما . لننظر أولا الى الصناعة النفطية ، فمنذ سقوط النظام السابق ازداد الاعتماد على صادرات النفط بشكل كبير الى درجة أن صناعة النفط اليوم تشكل حوالي 70% من الناتج الإجمالي للبلاد و 90% من إيرادات الحكومة . نفس الشيء في الكويت ، مثلا ، فان القطاع النفطي يوفر 50% من الناتج الإجمالي و 95% من الإيرادات . لقد ولت تلك الأيام التي سبقت حرب الخليج عام 1991 عندما كان الاقتصاد العراقي أكثر تنوعا لدرجة أن البلد كان مسؤولا عن 80% من تجارة التمور العالمية . حاليا ، تشكل الزراعة 10% من الإنتاج الإجمالي . رغم خطة وزارة الزراعة المخصص لها 80 مليون دولار ، لإحياء انتاج التمور فان الجهود قد ذهبت سدى . موجات الجفاف المتعاقبة و النوعية الرديئة للمياه و الأسعار المرتفعة للأسمدة ومواد مكافحة الآفات ، كلها تعني أن الإنتاج تناقص الى 50 كيلوغرام للنخلة الواحدة بالمقارنة مع 150-200 كيلوغرام في 1990 . ومع أسعار النفط العالمية التي ستستمر بالارتفاع على مدى العقد القادم ، يبدو أن العراق غير مستعد لترك صناعة البترول الى صناعات أخرى . الشباب العراقي لا يرى مستقبلا في الزراعة و يتطلع الى العمل في قطاع الطاقة و في دوائر الحكومة حيث الرواتب جيدة . ثانيا ، هناك مشكلة في اعتماد العراق على العمالة الأجنبية في مجال الإنشاءات و في أداء الأعمال المتواضعة. تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن تهريب البشر حول العالم ، يركز الضوء على هذه المشكلة . و كما في دبي و غيرها من بلدان الخليج العربي ، فان العراق يعاني من مشكلة تشغيل العمال المهاجرين المجبرين بشكل غير قانوني و القادمين من بلدان متعددة مثل بنغلادش ، باكستان ، اثيوبيا ، الفلبين ، النيبال و تايلند . الميزة غير الجيدة في هذا المجال هي الخداع الذي تمارسه وكالات التشغيل التي توعد الموظفين برواتب جيدة و ساعات عمل مريحة ، و على الأغلب لا يخبرونهم بأنهم ذاهبون الى العراق ، لكن عند وصولهم الى العراق يتم سحب جوازات سفرهم و يجبرون على العمل لساعات طويلة في ظروف عمل سيئة و أحوال معيشية رديئة و غالبا لا يستلمون أجورا مقابل أعمالهم . تقرير وزارة الخارجية يتهم الحكومة العراقية بعدم معاقبة مهربي البشر و بالفشل في جمع البيانات عن هذه المشكلة و عدم التحقيق مع المسؤولين المتورطين بأعمال التهريب التي يحظرها الدستور . في أحسن الأحوال ، خططت بغداد لتشريع مسودة قانون تعود بنوده الى أيام صدام . هذا القانون يمنع استخدام العمال غير القانونيين و يطالب بترحيل العمال المجبرين و تغريم الشركات التي تستغلهم . مع ذلك ، لا يمكن المصادقة على القانون في الوقت الذي ينشغل فيه السياسيون بالنزاعات الشخصية على السلطة ، بدليل أن الحكومة التي أفرزتها انتخابات آذار 2010 لازالت غير مكتملة . من هنا فليس من المفاجئ أن تستنتج وزارة الخارجية الأميركية بان العراق قد " أهمل جهود فرض القانون "في محاربة تهريب البشر . مع كل هذا فان الإدمان على العمالة الاجنبية لم يأتي له ذكر في الاحتجاجات المتواصلة في ساحة التحرير ببغداد كل يوم جمعة . على العكس من ذلك ، ففي سلطنة عمان أثارت الاحتجاجات مشكلة الاعتماد على العمالة الاجنبية و وضعتها في قمة القضايا التي على السلطنة مواجهتها . الاعتماد على قطاع الطاقة يعني أن العراق مازال متمسكا بالاقتصاد الذي تديره الدولة و الموروث من أيام صدام حسين . و قد تحدث سياسيو العراق لسنوات عن تطوير تحرير الاقتصاد و فك ارتباطه بدوائر الدولة . مع ذلك فان الوارد المتنامي من صادرات النفط يفسر عدم تنفيذ الحكومة للإصلاحات . لقد ابتكرت الحكومة المزيد من الوظائف الحكومية الجديدة لتعوض عن نقص اليد العاملة في الصناعة النفطية .هذا التطور أعاق بدوره جهود إعادة الاعمار و زاد من الفساد . بنفس الشكل ، فان الاعتماد الكبير على صادرات النفط و استيراد العمالة الأجنبية قد زاد من مشكلة البطالة بين أبناء الشعب العراقي . إذا رغب السياسيون العراقيون ، البعيدون أساسا عن اهتمامات شعبهم ، اجتناب المزيد من الاضطرابات المدنية و السياسية في البلاد ، فعليهم الإسراع بمواجهة الاعتماد المفرط على إيرادات النفط و الاستخدام غير القانوني لليد العاملة الأجنبية ، و إلا فإنهم يجازفون بتدمير ثقة الشعب بالديمقراطية التي تأسست على الاستياء من عقود القمع .
مستمر في الاعتماد على النفط موردا أساسيا..العراق يقتفي آثار جيرانه من دول الخليج
نشر في: 28 أغسطس, 2011: 09:23 م