محمد صادق جرادهل يمكن ان نعزو سعي البعض للانتماء للهوية الفرعية الى ضعف مفهوم المواطنة؟ وهل يبحث المواطن في تلك الانتماءات الضيقة عن مصدر للحماية والقوة في ظل ضعف الدولة والقانون والعجز عن توفير ذلك له ولأفراد أسرته.
من اجل الإجابة عن هذه الأسئلة يجب ان نعترف بان المواطنة واحدة من أهم الضرورات الحيوية التي تساهم في بناء المجتمع المدني الديمقراطي باعتبارها من أهم الركائز التي يعتمد عليها تأسيس أي نظام ديمقراطي حضاري يضمن المساواة والعدل بين مواطنيه من خلال تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أساس المواطنة الحقيقية التي يحتاج اليها أي مشروع سياسي يريد بناء المجتمع ويسعى إلى تقدمه .ويعرّف البعض المواطنة بأنها «عبارة عن مجموعة من الحقوق والواجبات يتمتع ويلتزم بها في الوقت ذاته كل طرف من أطراف هذه العلاقة .والمواطنة هي عضوية الفرد التامة والمسؤولة في الدولة وتترتب على ذلك مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الطرفين نسميها الحقوق والواجبات.ويمكننا ان نقول من خلال هذا التعريف بان مفهوم المواطنة قد غاب عن المشهد العراقي لعقود طويلة بسبب تسلط الحكام والدكتاتوريات المتتابعة على حكم هذا البلد، حيث سخرت هذه الأنظمة كل طاقاتها من اجل تكريس مفهوم المواطنة والوطنية باتجاه خدمة مصالحها الضيقة بما يخدم بقاءها في السلطة وبناء مجد وهمي لرموزها من خلال جعل المواطن أداة في خدمة النظام وسياساته ،الأمر الذي أضعف روح المواطنة وغيّب مفهوم الوطنية عند الفرد والمجتمع .وما حصل في العراق يحصل اليوم في دول عربية كثيرة ،فلقد عاش المواطن العربي عقودا طويلة وثقيلة يؤدي واجباته كما يراها الحزب أو الحاكم من غير أن يحصل على حقوقه التي يستحقها ما جعله يعاني من تأثيرات أدت إلى زعزعة روح المواطنة لديه حيث كان يعاني أيضا من ظلم السلطة التي كانت تحارب جميع الأفكار المعارضة لسياستها التسلطية والدكتاتورية. وبعد سقوط النظام الشمولي في العراق تسببت التركة الكبيرة من المفاهيم الخاطئة والتي ورثتها الأجيال عبر عقود من التفرد بالسلطة وسياسات التهميش والتغييب والإقصاء والاحتكار السياسي تسببت في إظهار الوجه القبيح للانتماءات الطائفية والعرقية الضيقة في العراق .وبمجرد سقوط النظام المباد في العراق في 2003 وجد المواطن نفسه في تلك الفترة بدون حماية ويعيش في فوضى امنية وسياسية في ظل غياب الدولة والقانون الذي يحمي ويدافع عن حقوقه ويحفظ حياته كمواطن عراقي بغض النظر عن انتماءاته ،الأمر الذي جعله يلجأ الى المذهب والقبيلة والجماعة كمصدر للقوة والحماية . ومن هنا نشأت علاقة عكسية فكلما أدرك المواطن بان هناك حكومة وطنية وقوانين تضمن حقوقه كمواطن ضعف لديه دافع الانتماءات الضيقة الأخرى ،وكلما غابت مفاهيم المواطنة من سياسة الحكومة وعجزت التشريعات والقوانين عن حماية المواطن احتمى بالانتماءات الأخرى بعيدا عن الوطن ومفاهيم المواطنة . لذلك يمكن القول بان المواطنة كقيم ومبادئ عندما تتحول الى ممارسة حقيقية تتجسد على ارض الواقع فإنها توفر الحماية الحقيقية لمكونات المجتمع العرقية والدينية وفق مبدأ المساواة والعدل بين أفراد المجتمع وتجعل من الحكومة حاضنة لأبناء الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم .لذلك علينا تعزيز قيم ومفاهيم المواطنة من خلال تنمية الحس الوطني لدى أبناء المجتمع العراقي وإزالة المفاهيم الموروثة ،وهذه المهمة تقع على عاتق الجميع خاصة الإعلام الوطني الحر ومنظمات المجتمع المدني التي أصبحت اليوم تمتلك عمقا شعبيا كبيرا من خلال نشاطاتها المتميزة وحضورها الفاعل في الكثير من الممارسات الاجتماعية والسياسية . خلاصة القول ان المواطنة من المفاهيم الحضارية التي جاءت نتاجا للفكر الحديث ،ونحن اليوم في العراق نأمل أن تكون هناك معايير جديدة للمواطنة مبنية على أساس حصول المواطن على حقوقه التي تحقق له الأمن وكرامة العيش والرفاهية كي يشعر بدوره الحقيقي في بناء بلده و المطالبة بحقوق المواطنة وممارستها لكي يقوم بدوره بأداء واجباته نحو الوطن عندما يقتنع هذا بأنه يعيش في ظل وطن وحكومة تقدم له ما يستحقه كمواطن لتأمين حياة حرة كريمة تليق بالإنسان في العراق الجديد .
الانتماءات الفرعية وزعزعة روح المواطنة
نشر في: 3 سبتمبر, 2011: 05:32 م