د. سعد بن طفلة العجمياسأل أي عراقي أو كويتي من الغالبية العاقلة التي تنظر للمستقبل، سيقول لك بضرورة وأهمية إعادة بناء العلاقة بين الشعبين- ويمكن أن يضيف عليها الشقيقين، وهي إضافة لا داعي لها برأيي لأنهما إن كانا كذلك فلا داعي لتذكير الشقيق بشقيقه، وعلاقات الدول لا يحكمها الدم والقربى وحسب كما أثبتت لنا الأحداث بالماضي، وكما نشهد من انتهاكات عربية للإنسان العربي من قبل أشقائه العرب تجعل من أعدائنا ملائكة رحمة إذا ما قورنوا ببعض «أشقائنا».
في ديوانية بالكويت جمعتني والسفير العراقي الدكتور محمد بحر العلوم، دار الحديث عن أهمية التركيز على علاقة الشباب الكويتي بالعراقي لبناء مختلف لعلاقات البلدين المستقبلية، وكان من بين حضور الديوانية شاب كويتي من مواليد عام 1990-عام الغزو العراقي للكويت، فسألناه كم صديقا عراقيا عندك؟ فكان جوابه الصدمة يعكس حقيقة الهوة المراد ردمها بين الشعبين. أجاب الشاب الذي يدرس في الخارج وقابل جنسيات مختلفة: لم ألتق بعراقي في حياتي قبل أن ألتقي بالسيد السفير وربما صافحت بعضهم في ديوانيات كويتية دون التعرف عليهم!! أقول جوابه صدمة، لأنه ما من كويتي من جيلي إلا وله أصدقاء عراقيون، بل لعل الصداقة مع العراقيين كانت تحتل المرتبة الأولى بين أصدقاء الكويتيين. لكن الجواب نفسه يعكس مسألتين: الأولى أن الحضور العراقي الشعبي في الكويت مسألة عادية جدا ومرحب بها، فالسفير العراقي يتجول بعشرات الديوانيات الكويتية وخصوصا خلال شهر رمضان حيث تشهد الديوانيات الكويتية حركة محمودة لشخصيات عراقية تزور الدواوين الكويتية بمختلف فئاتها، والثانية أن الآلاف من العراقيين يعيشون بالكويت عيشة عادية مثل كثير من الجنسيات التي تعمل وتعيش بالكويت في سلام، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن أكثر من نصف مليون عراقي زاروا الكويت منذ عام 2003. أسوق هذه المعلومة البسيطة لمعرفتي أن آلافا من الشباب العراقي- وخصوصا من ولد عام 1990 وما بعدها- بينه وبين الكويت حاجز نفسي خلقته سنوات الحصار والتعبئة البعثية السابقة بأن مشاكل العراق سببها الكويت، وهي مشجب وهم علقت عليه الدكتاتورية المبادة كوارثها التي ارتكبتها بأيديها وجرت على الشعبين العراقي والكويتي مآسي وهوة عبّر عنها جواب الشاب الكويتي بكل صدق: لم ألتق عراقياً بحياتي!! كما يحاول بعض الساسة العراقيين تعليق فشلهم في تأمين الأمن والخدمات على مشاجب خارجية تكون الكويت عادة في مقدمتها. ليس من العملي رسم صورة رومانسية لما يجب أن تكون عليه العلاقة المستقبلية، و»تحميض» صورة سريعة لما ستكون عليه العلاقة بين البلدين «غدا»، ولكن البدء بجهد عقلاني مطلوب بأسرع وقت، فالساحة مفتوحة لأقلية عراقية تثير البغضاء لأجندات لا تخدم العراق، وأقلية كويتية ساذجة لا ترى أبعد من أنفها، وليس من المطلوب إسكات هؤلاء ولا قمع أولئك، ولكن آن للغالبية الصامتة بين الشعبين أن ترفع صوتها، وتبدأ عملا عقلانيا منظما يستهدف الشباب، ويعمل على استحداث أنشطة تعريفية لجسور كونكريتية أقوى من «معابر» الماضي الخشبية، ولسفن عملاقة تمخر عباب الجمود، بدلا من محاولة عبور المحيط «ببَلَمٍ» متهالك. كاتب وأكاديمي كويتيsaad@alaan.cc
جســـر: من أين نبدأ؟
نشر في: 3 سبتمبر, 2011: 05:34 م