ترجمة المدى أثارت تفجيرات منتصف الشهر الماضي القلق بشأن قدرة المتمردين في العراق على تنفيذ الهجمات، إلا أن اغلب العمليات التي تجري هذه الأيام ليس المقصود منها جلب الانتباه، وإنما هي صراع بين المليشيات المختلفة المنتشرة في البلاد من اجل بسط نفوذها بعد مغادرة القوات الأميركية.
ففي يوم الاثنين، الخامس عشر من الشهر الماضي قامت مجاميع إرهابية تنتمي إلى تنظيم القاعدة في العراق بضرب سبع مدنٍ بتفجير خمس عشرة عبوة لاصقة وشن هجمات ضد قوات الأمن وزوار العتبات المقدسة. وهي كانت من أقوى الهجمات المنظمة منذ آب 2010 عندما ضربت القاعدة اثنتي عشر مدينة في البلاد. كانت هجمات الشهر الماضي مقلقة بلا شك لأنها تدل على أن خلايا التمرد اليائسة المنتشرة وسط العراق وشماله يمكنها تنسيق اعمالها في المناسبات من اجل المزيد من التأثير.يمتلك تنظيم القاعدة في العراق قيادة على المستوى الوطني بعد موت زعيمه ابو عمر البغدادي ووزير حربيته ابو ايوب المصري في نيسان 2010. منذ ذلك الوقت قامت مجاميع، مثل رجال الطريقة النقشبندية وهي حركة تمرد يقودها مسؤولون بعثيون سابقون ، بملء الفراغ. هذه المجاميع تلعب دورا تنسيقياً و تكلف تنظيم القاعدة والخلايا الداخلية في العراق للقيام بالهجمات وزيادة أعداد هذه الهجمات شمال البلاد ووسطها. مع هذا فان نظرة دقيقة لظاهرة تفجير السيارات في العراق تبين أن مجاميع –مثل رجال الطريقة النقشبندية– تنفذ القليل من الضربات الكبيرة و تركز بشكل رئيسي على اكبر عدد من الهجمات الصغيرة لغرض تثبيت موطأ قدم لها في العراق بعد مغادرة القوات الأميركية.في الواقع ان الهجمات التي تخلف أعدادا كبيرة من الضحايا قد ازدادت في العام الحالي، حيث كان معدل الهجمات 13 هجوما في الشهر خلال النصف الأول من العام، و ارتفع العدد إلى 33 في شهر تموز لوحده، بالمقارنة مع 20 هجوما في تموز 2010. أما مجمل الهجمات في شهر آب فقد وصل إلى 40 هجوما. هذه الهجمات اليائسة أصبحت اقل تأثيرا على الأرواح، حيث أن تفجير السيارات عن طريق أجهزة التحكم عن بعد قد قلل عدد الضحايا بسبب عدم التحكم في اختيار المكان والزمان. كما أن اغلب هذه المتفجرات يتم الكشف عنها و تفكيكها قبل التفجير. ثم أن عدد ضحايا السيارات المفخخة قد قل عما كان عليه في السنوات السابقة بسبب صعوبة المرور عبر سيطرات التفتيش المنتشرة في العراق.الهجمات المنسقة، مثل تفجيرات الشهر الماضي، تجذب الاهتمام العالمي لفترة وجيزة، وتأثيرها الفتاك له أهمية ثانوية، والذي يهم هذه المجموعات اكثر هو بيان أهميتها وتأكيد مكانتها بين الحركات المسلحة بعد مغادرة الأميركان بالإضافة إلى محاولة الحصول على التمويل. ويبدو أن تفجيرات 15 آب كانت نتيجة تخطيط مكثف لتنفيذ هجوم كبير يتزامن مع شهر رمضان من اجل تسليط الضوء على سعة وتماسك حركة التمرد. مع بعض الاستثناءات، فان السيارات المفخخة تضرب أهدافا من السهل مهاجمتها مثل نقاط التفتيش الضعيفة والمباني البلدية والاسواق، بينما تستهدف القاعدة أهدافا واضحة للغاية مثل الفنادق و الوزارات ووسائل الإعلام. ومعظم السيارات المفخخة موجهة حاليا ضد العراقيين الناشطين في السياسة المحلية، تنفذها خلايا ارهابية قريبة منهم. ويركز المتمردون الآن على قوات الشرطة المحلية والمجالس البلدية والمحاكم في مناطق قليلة الأهمية. أنهم يقاتلون للسيطرة على المجتمعات المحلية، في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة بمشاكلها الداخلية وعدم القدرة على تشريع قانون فعال، مع انشغال الولايات المتحدة بسحب قطعاتها.باستثناء الهجمات ضد الأميركان التي تنفذها مجاميع مدعومة من ايران مثل كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق، فان اغلب اعمال العنف في العراق لم تعد تستهدف القوات الأميركية.الحدث الرئيسي الذي كان يتأجل لعدة سنوات بسبب الوجود الاميركي، هو الصراع بين العراقيين للسيطرة على البلاد. في عراق اليوم فان الأشكال الشائعة للهجمات البسيطة هي إطلاق النار وتفجير السيارات الشخصية، وهي تحصل داخل المجتمعات الطائفية وتعكس الصراع المحلي لأغراض السيطرة. هذه الهجمات تعتبر قليلة الفتك، المقصود منها الترهيب. كما أنها الخاتمة الحتمية للحرب الأهلية العنيفة التي وقف البعض مع الحكومة والتحالف الأميركي، بينما وقف آخرون مع التمرد . مجلة "فورين أفيرز" الأميركية
صراع الميليشيات يشتدّ عشية الانسحاب الأميركي
نشر في: 3 سبتمبر, 2011: 08:54 م