هاشم العقابي لا يمر أسبوع، أو يوم، إلا ويسمعنا البرلمانيون "بستة" جديدة. وآخر "بستتاهم" هي استغلال فقر العراقيين لتجميل صورهم أو لتصفية الحسابات فيما بينهم. وهذا ما حدث في آخر "عركة"، قبل العيد، بين النائبة حنان الفتلاوي ورئيسها أسامة النجيفي. النائبة اتهمته بأنه شفط "عيدية" ضخمة له ولنائبيه. رد عليها بانها لم تكن له، بل اراد بها ابتغاء مرضاة الله ليزرع "البسمة" على وجوه العوائل المتعففة. لذا فهو ساع إلى مقاضاتها قانونيا.
لم تستوقفني تصريحاتهما وتهديداتهما لبعضهما لحظة واحدة. فمناوشات من هذا النوع ينطبق عليها، بامتياز، المثل العراقي القائل: "غراب يكل الغراب منكارك اسود". أو أنها في اقل الأحوال "عركة حبايب". الشيء الوحيد الذي استوقفني هو مصطلح "العوائل المتعففة" التي ادعى النجيفي بانه سحب المال من اجلها. لا اريد هنا ان ادخل في تفاصيل الاجراءات التي كان يجب عليه اتخاذها قبل سحب "العيدية". ولا اريد ايضا ان اعرج على مفهوم "وهب الكريم ما لا يملك"، لان الأموال قطعا لم تخرج من جيبه الخاص بل من جيب الدولة الذي لا يعلم الا الله عدد الايادي التي "تبحوشه" كل يوم. لكني أود ان يجيبني السيد الرئيس: من اين أتى بكلمة "المتعففة" وماذا تعني؟ من معاني "المتعفف" المشهورة، هو الإنسان الذي يمسه الفقر لكنه يصبر على فقره وجوعه ولا يمد يده لأحد أو يسأله المساعدة. واساس التعفف من العفة. اي الشرف والكف عما لا يحل. وهذا يعني هناك تعفف أخلاقي وآخر مادي. وهناك أقوال كثيرة في تعريف من هو المتعفف. فقد قيل انه الذي لا سهم له في الغنيمة. وقيل هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه. وهنا اسأل: أليس هذه هي حال اغلب، إن لم اقل كل، العراقيين؟ إلا يعني هذا بان كل العراقيين متعففون؟ وان كان الاستعفاف يعني النزاهة كما جاء في لسان العرب، فأين هو عند سياسيينا؟ نحن بحاجة الى حكومة وبرلمان متعففين وليس إلى عوائل متعففة، يا جماعة الخبر..حاولت البحث في جذور قصة المتعففين والمتعففات، فلم أجد لها وجودا يستحق الذكر في دنيا السياسة وشؤون إدارة الدولة. كل ما عثرت عليه وجدته مرتبطا بشؤون الدين خاصة في مجال الصدقات. ومختصر الأمر هو أن الرسول الكريم عرف المتعفف بأنه هو: "الذي لا يجد غنى ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه ، فذلك المحروم".إذن كان السيد النجيفي يتصدق على شعبنا. حقا لا ادري في أي شريعة يباح لأحد أن يأخذ مال شعب ثم يتصدق به عليه؟ أمجلس نواب هذا أم مجلس توزيع صدقات؟ ثم يا له من زمن أغبر هذا الذي يصبح فيه ابن واحد من أغنى بلدان العالم تحل عليه الصدقة؟ولكي "الحك العيار الباب الدار" كما يقول المثل، قلت لنفسي لأصبر قليلا وأتابع كيف وزع النجيفي "صدقاته"، فماذا وجدت؟ في محافظة صلاح الدين وزع النجيفي 25 مليون دينار بواقع 150 الف دينار لكل عائلة. هذا يعني ان هناك 166 عائلة فقيرة فقط! بمعنى آخر، انه "تصدق" بما يعادل، تقريبا، سعر برميل نفط لكل عائلة. أما في قضاء تلعفر فقد شملت "صدقاته" 4000 آلاف عائلة خصص لها جميعا مبلغ 200 مليون دينار. أي 50 الف دينار لكل عائلة. وهذا يساوي سعر أقل من نصف برميل من النفط العراقي. كل عائلتين ببرميل. المجموع الكلي 25 الف و 166 برميلا. يعني واحد وربع بالمئة من عدد براميل النفط التي يصدرها العراق في يوم واحد فقط. للعلم ان المعلن من قبل الحكومة، وليس المخفي، هو ان العراق يصدر مليوني برميل نفط يوميا.فلمن سماهم النجيفي "عوائل متعففة" أقول: إن هذا ليس تعففا بل انه تنازل عن حق مشروع وصبر غير محمود على الظلم. فلا تتقبلوا من يطعمكم نزرا من لحم ثوركم وكأنه متفضل عليكم. انتم اصحاب الفضل عليه وعلى كل من في برلمانه وحكومته. والله من اجل هذا لوحده فليتظاهر المتظاهرون، كي يعلم الذين ظلموا والذين لا يستحون اي منقلب ينقلبون.
سلاما يا عراق :صدقات النجيفي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 4 سبتمبر, 2011: 08:50 م