TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عين:عن بغداد الفتاة

عين:عن بغداد الفتاة

نشر في: 4 سبتمبر, 2011: 09:35 م

 عبد الخالق كيطان سحرني كتاب ستيفان تسفايج المعنون: (عالم الأمس، المدى 2006) في مفاصل كثيرة منه. تمنيت لو كنت لص كتب، لقمت بنسبة فصول كاملة من الكتاب لنفسي لأن المؤلف فيها يتحدث عن الكثير من الأمور التي تحدث كل يوم في العراق، أو لأنها، بعبارة أخرى، تنطبق على بلادنا في مراحل مختلفة. ومن الأفكار اللافتة في الكتاب قيام مجموعة من المثقفين في فيينا أواخر القرن الثامن عشر بتأسيس جماعة: فيينا الفتاة، كان همّ أعضائها تقديم حداثة تريد تجاوز القارّ من فنون وآداب في تلك المرحلة.
تسفايج يسهب، قبل الوصول إلى فكرة تأسيس فيينا الفتاة، بوصف الأوضاع الفنية والثقافية والحضارية في النمسا أواخر القرن الثامن عشر، وهو وصف يجعل القارئ يفغر فمه إعجاباً بفنون وآداب ذلك الزمان والمكان، ومع ذلك يقرر مجموعة من المثقفين تأسيس تجمع للانقلاب عليه. أيّ ترف ذاك؟لقد قادني التفكر في فيينا الفتاة وأوضاع المثقفين في تلك البلاد الساحرة، على ما يصف مؤلف "عالم الأمس"، إلى أوضاع ثقافتنا العراقية، ومثقفينا العراقيين، ووجدت أننا معنيون أكثر بكثير من مثقفي النمسا بتأسيس جماعة من هذا النوع، يكون هدفها الأساس والأول البحث عن دور للمثقف في زمن الكارثة الذي نعيش، ولهذا دعوت، وفي هذه الجريدة تحديداً، إلى تأسيس جمعية "بغداد الفتاة".كثيرون يشككون في جدوى جمعية من هذا النوع، والتشكيك هنا، بالنسبة لي على أقل تقدير، أمر مشروع تماماً، ذك أن المثقف العراقي اعتاد على أنماط من العمل يجد صعوبة كبيرة في مغادرتها لصالح نمط جديد ومعاصر، هو نمط المبادرة المجتمعية. المثقف العراقي يجد نفسه معزولاً على الدوام، وفي كثير من الأحيان يقسر نفسه على عزلة مختارة، فتحدث قطيعة مخيفة بينه وبين الجمهور. بإمكان جمعية "بغداد الفتاة" أن تكتفي بصناعة الأحلام، فالمثقف أولاً وآخراً هو صانع أحلام، ولكن هذه الجمعية بإمكانها حقاً أن تصنع أشياء كثيرة أخرى غير الأحلام. كثير من المثقفين يفضلون العمل الفردي، فهو أكثر حرية بالنسبة لهم، وتمثيلاً لإبداعاتهم، وبالتالي يجدون العمل داخل جمعية أو نقابة أو حزب أمراً مقيداً.. كما أن بعض الانتهازيين والمنتفعين والطائفيين والمصابين بفوبيا التغيير والكسالى وما شابه سيقفون ضد توجهات "بغداد الفتاة"، حتى وإن أعلنوا على الملأ أنهم مع طروحاتها. الجمعية غير معنية بهؤلاء، فالمثقف الحرّ، المحبّ لبلاده والعاشق للحريّة والذي تؤذيه مناظر الخراب التي تنتشر في كل شبر هو نواة الجمعية وقلبها الحقيقي.لا يمكن التعويل على جمعية "بغداد الفتاة" بأن تكون قادرة على مسح هذه الكثافة من الخراب والعذاب، بل محاولة صنع رأي عام حول الكثير من القضايا الراهنة. فالجمعية أولاً وأخيراً لا تملك غير النوايا، والنوايا وحدها لا تصنع معجزات، والأمر في العراق بحاجة ماسّة إلى معجزة. من أين تأتي المعجزة؟ وكيف تتحقق؟ ومن يصنعها؟عيب على المثقف العراقي أن يظلّ ساكتاً على ما يجري من سرقة علنية لمشروع الدولة الحديثة. عيب أن يقبل هذا المثقف بما يجري. عيب أن يرتضي العيش في بلاد تناضل اليوم، ونحن نعيش في فجر القرن الواحد والعشرين، من أجل تحقيق بعض المكتسبات التي صارت في مختلف أنحاء العالم حقاً لأبناء تلك الأنحاء. عيب كبير أن نظل خارج التاريخ. ومن أجل الخلاص من لعنة هذا الـ"عيب"، ولدت هنا "بغداد الفتاة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram