د.طالب المحسنيبدو إننا لن نجد مسؤولا يرفع رأسه مرة واحده ليرى نخيل العراق الباسق وقد أحنى رأسه وكأنه ينظر للأرض . نفرح جميعا حين يتم زرع النخيل في الشوارع لكني أتعجب لماذا المعنيون بزراعته يهملون هذه الأشجار المحنية وكأنها مشانق للعراق , أشجار مشوهه تجرح العين في ساحة الأندلس , آلامه , القناة وفي أماكن كثيرة .
الآباء اقصر من أبنائهم , بعضهم عن عدم دراية يقول إن الأجيال الجديده أكثر طولا والحقيقه ان الغضاريف الموجودة بين الفقرات تتكلس مع العمر فتصغر , فتقل المسافات بين الفقرات ولذلك يخسر الإنسان من طوله ناهيك عن هشاشة العظام التي تسبب انكباس الفقرات , بعضهم بسبب الهشاشة تنكبس بعض فقراته وتتحول من شكلها المستطيل إلى شكل مثلث مما يسبب انحناء العمود الفقري فيصبح كنخلات العراق المريضة ينظر للأرض .خسارات العمروالجسد كثيرة لكن الإنسان يجب أن يبقى محط الاهتمام مادام حيا وحتى بعد الموت يجب أن نعتني بذكراه .في رمضان , عرضت علينا مسلسلة فاتنة بغداد يستعرض فيها حياة المطربة العراقية عفيفة اسكندر , وهذه لمسة رائعة ورائدة من قبل المعنيين بالأمر لأن الفنانة عفيفة اسكندر مازالت على قيد الحياة ... صحيح إن خسارات العمر كانت كفيله بانحنائها لكن المرأة وصوتها الرائع مازالا فوق الأرض .رغم أن في العراق بساتين كثيرة ومزدحمة بالنخيل بأنواعه الكثيرة لكن النخيل المطأطئ الرأس يثير انتباهي مثلما يثيره الساسة مطأطئو الرؤوس الذين لا يمكنهم أن يبصروا مترا واحدا للأمام وأحكموا الظلمة على العراقيين وأبقوهم منشغلين بكل ما هو بعيد عن التنمية والتطور .كولن ولسن في إحدى كتاباته يضرب مثلا على أهمية العقل والتبصر والتي بدونهما لا يرى الإنسان ابعد من قدميه , احدهم كان عليه تسلق جبل شامخ لكن الوقت أدركه وحل الظلام عليه وهو لم يصل بعد إلى القمة , وهو يحاول زلت قدمه فمسك صخرة بيديه وبقي متدليا حتى الصباح .....وتحت نور الفجر شاهد المتسلق وجود صخرة كبيره تبتعد بضعة سنتمترات عن قدميه , ترك يديه ليستريح على الصخرة بعد عناء ليل طويل .إن تحجيم إمكاناتنا يجعلنا نعاني من صعوبات الحياة , تلك الصعوبات المصنوعة بعناية كبيرة من قبل المسؤولين .الآن أتجول في بغداد لعلي أرى شاهدا لهذه السنوات الثماني العجاف فلا أرى مجمعات سكنية في معسكر الرشيد ولا أرى مشروع 10×10 ولا عمارات سكنيه في كورنيش ألكاظميه أما الاعظميه فكورنيشها نصف مغلوق !! لا أرى مولات ولا شارع الرشيد تطور وعاد لأربعينيات القرن الماضي !! ولا شوارع جديدة ولا مدارس ولا جامعات ولا ولا ولا............. وأشعر بأن وعودهم ليست كذبا وحسب وإنما إمعان في تعذيب الناس ومنعهم من رفع رؤوسهم ليكونوا تماما مثل النخيل محني الرؤوس .الساسة غير معنيين برفع رؤوسهم , إنهم ينظرون إلى نفس البقعة منذ تسلمهم أمور هذا الشعب , إنهم ينظرون إلى مصالحهم ومن اجل ذلك أحنوا رؤوسنا أيضا حتى نغرق في يوميات لانهاية لها ولا نبصر أبعد من أقدامنا.بعد كل هذا , أليس من العبث وجود نخل باسقا؟ فليس هناك من يرفع رأسه !. يبدو أن نخيل العراق أدرك هذا فأحنى رأسه كالآخرين!!
نخلة لكنها محنّية
نشر في: 5 سبتمبر, 2011: 05:58 م