إحسان شمران الياسريلقد جمع كتاب (كليلة ودمنة) أبلغ القصص في صور شتى، كان للحكمة منها النصيب الأكبر.. وعلى لسان المخلوقات العديدة، سمعنا ما وددنا أن نفعله أو نفكر فيه أو نتعظ منه. ولا أدري إن كانت قصة المظلوم وطائر (الحجل) واحدة منها، فأنا سمعتها من شيوخ القرية وفي دواوين الحكماء.. وما من بلاغة، وإيمان بأن الله تعالى أخذ من الظالم حق المظلوم كمثل ما ورد في هذه القصة – الحكمة. يقولون إن رجلا تّعرّض له قاطع طريق في آخر الدنيا، فسلبه ما عنده، ثم هّم بقتله..
وقد توسل به ألا يفعل، دون جدوى.. وعندها تلفّت المسكين عسى أن يجد النجدة في هذه البرية فلم ير إلا طائر (الحجل) يبحث عن رزقه، فخاطبه كأنه يوصيه (يا طائر الحجل، أشهد عند الله إن قاتلني هذا الرجل.. سيقتلني دون ذنب بعد أن سلب كل ما عندي)..وقد دارت الأيام، وأصبح قاطع الطريق مُقربا من الملك وله الكلمة العليا في القصر، وعلى الحاشية.. وصار الملك لا يأكل أو يشرب إلا بحضور هذا النديم. وفي اليوم الموعود، اليوم الذي ينتصر فيه الله تعالى للمظلومين ويكشف ظالمهم ليقتص منهم، كان الملك ونديمه على المائدة بانتظار الطعام.. فلما وضعوا الطبق أمام الملك، سألهم ما هذا؟ قالوا هذا طبق الرز بالحجل المحشي.. وعندها ضحك النديم (السعيد)، فسأله الملك عن سبب الضحك.. قال النديم (ماكو شي.. سلامتك مولاي).. وعندها، استشاط الملك غضبا عن هذا السلوك غير المنضبط في حضرة (النعمة)، وأصر على أن يسمع السبب. وعندها، روى النديم (الأغبر) القصة العجيبة التي تحكي بطولته، وخيبة (المغدور) الذي لم يجد إلا طائر (الحجل) ليستنجد به ويشهد له، وها هو (الشاهد) فوق طبق الملك لا رأس له ولا (لسان)!!. وهنا، أشهد الله القاتل على نفسه وكان طائر (الحجل) أبلغ شاهد، فأمر الملك بقطع رأس القاتل الذي شهد على نفسه..وليلة الأحد 28/8/2011، فُجعت أمتنا العراقية الصابرة باستشهاد الشيخ خالد الفهداوي مع كوكبة سعيدة من المؤمنين في جامع أم القرى، فيما حفظ الله تعالى أرواح آخرين كانوا معهم، ولأني أعرف الدكتور خالد الفهداوي، بفكره النيّر وروحه المتعالية على الصغائر، وعراقيته الفاتنة، فقد تذكرت قصة المظلوم الذي شاء الله أن يكشف ظالمه ويقتص منه. وعلى دنابك العرس الذي حمل الشهيد إلى الرفيق الأعلى، سنشهد صرخة الحق والعدل، فيُظهر الله القاتل، وينام الشهيد الغالي ومن معه قريري العين في رحمة ربهم.لقد كان الفهداوي سيفا من سيوف الحق، وصوتا عاليا لنصرة المحرومين وقضاياهم.. كان احد البُناة الذين حاولوا طيلة الفترة التي عمل فيها عضوا في مجلس النواب أن يؤشر عيوب المسيرة الحرجة للدولة العراقية، ويُنادي بالتصحيح بروح الحريص والشريك (لم أكن اعرف الراحل عن قرب قبل ذلك). وقد أعادت قناة بغداد الفضائية مشكورة بث آخر لقاء معه، حيث تحدث عن هموم الناس ومشاغلهم.رحم الله الشهيد خالد الفهداوي، النائب والإنسان، والخطيب والمعلم، وجعل عاقبته خيرا على العراق والعراقيين.. وألهم أهله وعائلته وعشيرته ومدينته وقرى العراق ومدنه الصبر والسلوان..
على هامش الصراحة: الشهيد خالد الفهداوي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 5 سبتمبر, 2011: 05:59 م