بغداد/ إيناس طارق .. تصوير/ ادهم يوسف السوق مازال هادئاً، أبواب المحال التجارية مقفلة، السكون يعم المكان، أصحاب المحال والبسطيات والمتبضعون متعبون من عطلة العيد، ولم يتأهبوا للنزول إلى سوق الشورجة "شارع الجملة" الممتد من شارع الجمهورية إلى النهاية.
وتحدث في إحدى الليالي حركة مريبة وطقطقة خفيفة لم يعبأ بها احد، لكن ما حدث يرويه لنا احد "شهود العيان" الذي كان فوق احد المباني القريبة جدا من الحادث أثناء تمتعه بمنظر القمر ليلة يوم السبت المصادف 3ايلول بسبب انقطاع التيار الكهربائي جالسا على سطحها، الشاهد يقول إن ثلاثة أشخاص كانوا يحملون علبا كارتونية صغيرة احدهم صعد إلى عمارة الطائي التي كانت أبواب محالها مغلقة في هذا الوقت المبكر من صباح يوم الأحد، والاثنان الآخران كانا يمسكان بالأسلاك الكهربائية وكأنهما يبحثان عن "سلك كهربائي يعود لهم" الشخص الذي صعد، نزل مسرعاً، وكان يقلب جوّاله بصورة سريعة ومربكة! وفي صباح اليوم التالي حصل فجأة توهج في أسلاك الكهرباء نتج عن احتكاك تلك الأسلاك بمادة سريعة الاشتعال، أصوات رجال يصرخون بان حريقاً اندلع في السوق، الناس القلائل الموجودين والحراس الليلين مع عوائلهم يهرعون لإطفاء الحريق الذي يمتد بشكل سريع وليلتهم كل شي، رائحة البنزين عبقت المكان وبقدرة قادرة تنتشر النيران، الشاهد يكتنز الفرصة وينزل هو أيضا مسرعاً خائفاً لئلا يعلم احد بوجوده ويشارك في إطفاء الحريق حتى لا يكون في خبر كان ويحرق وتختفي معالم الجريمة ويكتب في شهادة وفاته توفي نتيجة الحريق الذي حدث بسبب تماس كهربائي والكهرباء مقطوعة في هذا الوقت.! سيارات الإطفاء تتأخر بالحضور وتصل بعد 25 دقيقة، والقوات الأمنية تنتشر وتبعد الناس الساكنين في البيوت المجاورة والفنادق الرخيصة الواقعة في شارع الرشيد، حيث الشاهد الذي اخبرنا ما شاهد إذ فضل ذكر الحقيقة على أن يسكت وبعد ذلك يحمل جعبته ويرحل إلى عائلته المقيمة في محافظة الديوانية، والذي شاء القدر أن نلتقي به صدفة عندما كنا نتجول بين أكوام الحرائق وكان مذعورا وخائفاً من أن يكتشف أمره، وعندما وجهنا له سؤالا عمّا يمكن أن يخبرنا به عن الحادث صمت الرجل وقال لا اعلم شيئاً فأعطيناه رقم هاتفنا لعله يعلم شيئاً وما توقعنه كان صحيحاً وقص علينا الحكاية من البداية والتي لا نعلم متى تنتهي فمسلسل الحرائق مستمر بالعرض على واقع الحياة في العراق. مصدر امني موثوق اخبر"المدى" أن سبب الحريق كان بفعل فاعل وأسلاك الكهرباء فعلاً قطعت وحرقت وسكبت مادة البنزين أمام واجهات المحال التجارية في وقت سابق ورش أيضاً بداخلها، بعد أن سكبت من تحت سلايتات المحال "الكبنكات" وهذه المحال كانت توضع في داخلها "مولدات كهربائية" ممتلئ اغلبها بمادة البنزين فماذا يحدث أن أضرمت النار؟ وأكد المصدر أن الحرائق هذه لن تكون الأخيرة لان الوقت الآن أصبح يشهد منافسة كبيرة بين تجار طارئين على السوق وتجار يستوردون البضائع منذ سنوات ومن تضرر في هذه الحرائق هم تجار الجملة القدماء والبضائع تثمن بملايين الدولارات حيث شملت محال العطور والماكياج وملابس الأطفال والقرطاسية ومخازن للبضائع إضافة إلى تهدم عمارة بالكامل، فمن قام بإشعال الحرائق يعلم ما فعل وما سوف يحقق من خسائر للتجار بالمقابل هو يحقق الأرباح لبيعه بضائع استوردها بأموال مسروقة من المال العام، أي أن عملية غسيل أموال الغاية من كل ذلك، بمعنى أن حرباً خفية تدور في المشهد الاقتصادي العراقي، بين تجار تسندهم أحزاب متنفذة، حيث حريق سوق السنك حدث بعد 6 ساعات إذن حرب جديدة تسمى السياسية- الاقتصادية تحدث بين الأحزاب والمتنفذين وأصحاب أموال طارئين. القاسم المشترك في الحرائق الحكومية، الذكية منها والغبية، إن الكهرباء الوطنية هي المتهمة دائما رغم انقطاعها، فيقال انه تماس كهربائي. ربما تكون هذه الحالة في العراق صحيحة، بسبب ارتباط حرائق مؤسسات الدولة بقضايا تخص الفساد المالي والإداري واهدار المال العام، والذي يزيد من هذه الشكوك، هو أن هذه الحرائق عادة ما تقع في أقسام الوزارة أو المؤسسة، التي لها علاقة بالعقود الخارجية والحسابات. فعلى سبيل المثال، فان حريق وزارة النفط الذي حدث في الطابق السادس، وهو طابق شعبة الحسابات التي تضم كل ما يتعلق بحسابات الوزارة وعقودها. وحريق البنك المركزي لا يحتاج إلى توضيح فهو مؤسسة مالية من موظف الاستعلامات إلى محافظ البنك. وحريق وزارة العمل الذي حدث في مكتب الوزير بعد التقرير الذي عدّته هيئة النزاهة حول الأسماء الوهمية في شبكة الحماية الاجتماعية. وربما اختلف حريق وزارة التعليم العالي، في تفسير أسبابه، لكن الإجماع تقريبا هو إخفاء حقيقة ما لا يريد (الحارق) أن يعرفها الناس. وهناك حريق وزارة الداخلية الذي لا نعلم أيضا ان كان بفعل تماس كهربائي أو بفعل فاعل.موجة الحرائق التي بدأت تظهر في العراق منذ عام 2008 بعد إطلاق رئيس الوزراء بتفعيل هيئة النزاهة دورها والتحرك على الوزارات والمؤسسات الحكومية أسفرت عن حرائق شهيرة أبرزها حريق البنك المركزي في نهاية كانون الثاني عام 2008
"نيران الدوائـر" تلتهــم الفســاد وحرائــق الأسواق لغسيــل الأمــوال
نشر في: 6 سبتمبر, 2011: 09:02 م