ســلام خـياطمصباح ديوجين لمن لم يتسنّ(ـى) له القراءة عنه أو الإحاطة بدلالاته الفلسفية، نسب لرجل أسمه ديوجين عاش في أثينا حاضرة العلوم والفنون والفلسفة قبل فترة سحيقة في القدم تقدر بثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، عاصر أفلاطون وسقراط وشهد صراع الأفكار والنظريات.
كان الرجل الذي اسمه (ديوجين) متواضعا في متطلبات الحياة، زاهدا بالترف والبهرج، يتلفع بأردية خشنة بالية، ويأنف أن يسكن بيتا، فأستبدله ببرميل (يشبه حوض استحمام)، أتخذ منه مثابة ومقاما.. وإليه تنسب حكاية طريفة: إذ مر به الإسكندر الكبير، وسأله أن يطلب ما يشاء ليأمر بتنفيذه في الحال، فأجابه: هلا ابتعدت عني، إنك تحجب نور الشمس عني!كان ديوجين، ما أن يطلع النهار حتى يوقد فتيل فانوسه الزيتي، يحمله، يطوف به الحواري والأسواق والأزقة. وحين يسأله العابرون والسابلة – وهم يظنون به مسا من الجنون-: لماذا تحمل مصباحا في وضح النهار والشمس معتلية قبة السماء؟؟ يكون جوابه الذي لم يكن يملك غيره: إني أبحث عن رجل فاضل!!وكالعادة في النقل والتراجم والسير وأمزجة وأهواء المترجمين، فقد ترجم جوابه: أني أبحث عن رجل فاضل، عليم، أو فهيم، أو حكيم، فيما ترجم قوله على أيدي البعض (إني أبحث عن الحقيقة). وأيا كان الاختلاف،فالمعنى الدلالي واحد وواضح، فالبحث عن الرجل الفاضل، النزيه، العفيف، الحكيم، الفهيم، هو المعنى العميق نفسه في البحث عن الحقيقة.لماذا أذكركم بمصباح ديوجين وقد مر على إيقاد فتيله أكثر من ثلاثة آلاف عام؟؟ أللهرب من بؤس الحاضر الراهن، والعالم -ما فتئ- يعيش ويعاني من التصدع في كل شيء، في القيم العليا السامية، في الثوابت المبدئية الراسخة؟ في التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال؟ في تضارب المصالح حد الانتهاك حتى بين ركاب المركب الواحد؟ في غياب الخط الفاصل بين الصواب والخطأ، وفداحة الجريمة وتهافت العقاب؟ قبل ثلاثمئة سنة قبل الميلاد بحث شخص وصم بالعته والجنون، عن رجل فاضل، نزيه، فهيم، حكيم، ولم يعثر على الحقيقة حتى وافته المنية، وبعد خمسة آلاف سنة يحاول البعض اقتراف فعل البحث عن الحقيقة، التي لن يعثر عليها أحد حتى قيام الساعة.. وما على الذين يحملون مصابيح البحث عن رجل فاضل نزيه حكيم فهيم إلا إطفاء مصابيحهم، قبل أن يوصموا بالعته أو الجنون، أو تطفئ قناديلهم رياح الحقيقة!!
السطور الأخيرة: ديوجــين، أطفــئ مصباحـك
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 7 سبتمبر, 2011: 10:52 م