TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عين: ويسألونك عن الأموال

عين: ويسألونك عن الأموال

نشر في: 9 سبتمبر, 2011: 08:09 م

 عبد الخالق كيطانمثلي لا يتفاجأ وهو يقرأ خبراً كالذي نشرته جريدة "المدى" بالأمس، ومفاده ضياع ملايين الدولارات في قضاء الشطرة بمحافظة الناصرية. لماذا؟ لأنني أرى في كل يوم مئات الإعلانات عن مشاريع تثبت الأيام أنها وهمية، أو مجرد مقاولات تتحول من مقاول إلى آخر في سلسلة لا نهاية لها.
يقول الخبر الصحفي: ذكر السيد علي أحمد مشهد التميمي عضو المجلس البلدي في الشطرة، بأن هنالك عدداً كبيراً من مشاريع الطرق المنشأة في عام 2005 تعرضت للانهيار والتلف بشكل كبير بسبب عدم وضع دراسات جدية وعدم استيفاء الكشوفات للشروط الهندسية والفنية في ذلك الحين، فضلاً عن عدم التزام الشركات المنفذة بالقوانين. انتهى الخبر.وعلى القارئ أن يخمّن مع نفسه المبالغ المصروفة على هذه المشاريع في منطقة صغيرة ونائية هي الشطرة، وفي عام واحد فقط. ثم عليه أن "يقيس" على بغداد، على سبيل المثال. فأرصفة شارع السعدون، مثلاً، تم تبديلها كذا مرة خلال السنوات الماضية، وتقوم إحدى الشركات حالياً بإنشاء رصيف جديد بعد قلع السابق. مشروع الأرصفة هذا ابتدأ العمل به منذ حوالي شهرين، ولم ينته العمل به بعد. لنسأل الآن: في ستين يوماً كم هي المبالغ التي صرفت فعلياً على الأرض وكم هي التي صرفت على الورق؟ كم استنزف المشروع خلال هذه الفترة من أموال؟ بالطبع، يمكن "القياس" على أمثلة من هذا النوع وفي قطاعات مختلفة.إن هدر المال العام في العراق صار مسألة مفروغ منها. وأمامنا الكثير من الأمثلة المخيفة: خذ مثلاً قطاع الكهرباء، التصريحات الرسمية تقول إن ما أنفق من قبل الحكومة على قطاع الكهرباء خلال سنوات يزيد على 25 مليار دولار، وإذا ما علمنا أن دولاً في المنطقة تصرف أقل بكثير من ربع هذا المبلغ لإنارة مدنها نكون قد وقعنا على قصة فساد أخرى مروّعة. والأمر يتكرّر في قصة مفردات البطاقة التموينية، تتذكرون فصولها، أليس كذلك؟ وفي قصص أخرى، أبرزها: السلف التشغيلية للمناصب المختلفة. سياسيّون قالوا صراحة في الأيام الماضية إن جهود هيئة النزاهة مخيبة للآمال، ومقربون من الحكومة ما انفكوا يعرقلون عمل هذه الهيئة عن طريق حماية المشتبه بهم، بل والمتهمين بارتكاب مخالفات مالية. ومع ذلك كله، فإن هذه الهيئة لا تستطيع، كما يبدو، أن تقف بوجه هذا السيل المخيف من الفساد، ومن هدر المال العام. ولنكن صريحين أكثر: كيف يستطيع قاض في هيئة النزاهة، أو في غيرها، مقاومة هذا الحشد الكبير من المتنفذين الذين يشاركون في عمليات الفساد؟ من المؤكد أن عمليات الفساد التي يخسر فيها العراق ملايين، بل مليارات الدولارات، لا تنفّذها ملائكة تنزل من السماء، ولا ينفّذها موظفون صغار، كما يريد المتنفّذون أن يوهموننا، ولهذا كله، يصبح من العسير مطالبة موظف أعزل بالوقوف ضدّ هذه المافيات المسلحة والمسنودة حكومياً.وتتعاظم المشكلة عندما تجد أن المسؤولين كلهم في الدولة يتوعدون في تصريحاتهم الصحفيّة المفسدين، ويؤكدون وجود صفقات مشبوهة وهدر للمال العام.. ولكن جميع هؤلاء يعجز عن تقديم مفسد واحد للقضاء.. وإذا ما دار حديث عن سين من المفسدين فستجد أن مختلف أجهزة الحكومة، ومختلف الناطقين الرسميين، ومختلف أعضاء الكتل...الخ، كل هؤلاء يبدؤون حملة منسقة للدفاع عن ذاك المفسد، ومن ثم "لملمة" الموضوع إلى حين خروجه الآمن من العراق ودفع الناس دفعاً للنسيان.في طول البلاد وعرضها ثمة الآلاف من المشاريع التي تنهار في كل أسبوع، والسبب الرئيس في ذلك هو هذه الرغبة المستشرية عند الأكثرية لنهب المال العام، سائرين في ذلك على هدي الرؤوس الكبيرة التي علمتهم السحر... ولم ينقلب عليها!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram