الحقوقي / علي العبيدي يثار موضوع الرأي المخالف عندما تكون المحكمة مؤلفة من قضاة عدة كمحكمة الاستئناف أو محكمة التمييز أو مؤلفة من قاض وعضوين آخرين مستشارين كمحكمة القضاء الإداري، فالمحكمة المكونة من هيئة تصدر إحكامها إما باتفاق جميع الآراء أو بالأكثرية، وعندما يكون القرار بالأكثرية أي انه هناك رأي مخالف صادر عن احد القضاة أو الأعضاء بمخالفة باقي الهيئة وذلك بتدوين مخالفته، فالرأي المخالف عندما يصدر يدون ويحفظ في إضبارة الدعوى ولا ينطق به
ولا يسمح لأحد بالاطلاع عليه هذا كما جاء في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ونصت المادة 158 منه على أن تصدر الأحكام بالاتفاق أو بأكثرية الآراء ونصت المادة160- 2 منه على أن يدون العضو المخالف رأيه وأسباب مخالفته ولا ينطق بالمخالفة وتحفظ في إضبارة الدعوى ولا تعطى منها صورة.صدور الرأي المخالف في الأحكام القضائية في الحقيقة له مزايا عديدة كما انه لا يخلو في واقع الأمر من العيوب، فالرأي المخالف يؤدي إلى بذل المزيد من الجهد وحتى التنافس بين الأعضاء في دراسة الدعوى إذ عندما تجتمع المحكمة للمداولة في الحكم فان من حق كل قاض اشترك في المرافعة أن يبدي رأيه في الدعوى لإصدار الحكم فيها لأن كل قاض يدافع عن وجهة نظره ويبدي من الأسباب القانونية التي تؤيد رأيه وقد يؤدي ذلك إلى إعادة دراسة الدعوى مجددا وبذل مجهود اكبر في تفهم الدعوى وتطبيق القانون كذلك ان من يبدي رأيا مخالفا في الحكم يكون قد أراح ضميره لعدم قناعته برأي زملائه ،كما إن بيان الرأي المخالف يكشف عن المصاعب التي يصادفها القضاة في تطبيق القانون على وقائع الدعوى وفيه تنبيه للمشرع بضرورة إزالة بعض الغموض الذي يعتري بعض النصوص القانونية ،كما إن اختلاف الرأي دليل على حيوية القضاء وبرهان على محاولة الوصول إلى الحق والعدالة في إصدار الحكم،فالرأي المخالف يعطي صورة صادقة وحقيقية لواقعية العمل القضائي فهو ظاهرة طبيعية لا يمكن تجنبها ولهذا فأن فتح أبواب التعبير عنها هو الوسيلة الوحيدة لإراحة ضمير القاضي و براءة ذمته، ولكن رغم كل هذه المزايا في إصدار الرأي المخالف في الأحكام القضائية إلا أن هناك بعض العيوب التي تشوب الرأي المخالف، فبيان الرأي المخالف قد يشكك في قوة الحكم القضائي لأنه صدر بأكثرية الآراء وليس باتفاقهم، وبالتالي إن صدوره قد يضعف الثقة بالعدالة القضائية وفي بعض الأحيان يؤدي إلى خصومات بين القضاة أنفسهم وهذه الخلاف في الرأي قد يؤدي إلى تحول الأقلية المخالفة إلى رأي الآخرين في دعوى مماثلة،فيصدر حكم مخالف للحكم السابق وبذلك يحدث تعارض في الأحكام القضائية صادرة عن نفس المحكمة، وبالرجوع إلى القانون العراقي الذي اخذ بمبدأ السماح للقاضي أو احد أعضاء الهيئة بتدوين رأيه المخالف إلا انه لم يؤيد النطق به وإعطاء صورة منه لكن كان من الأحسن السماح للقاضي المخالف النطة برأيه المخالف بجانب رأي الأكثرية وان ذلك يؤدي إلى اطمئنان الخصوم في الدعوى ويزيد من ثقة المواطنين بأحكام القضاء ويكشف للناس واقع العمل القضائي والصعوبات التي يلاقيها القضاة وتطبيق القانون على وقائع الدعوى ويعتبر ايضا ضمانا لاستقلال القاضي ووسيلة تسمح للمواطن بمراقبة عمل القاضي على حدة ومدى تفهمه للقانون.
نحن والعدالة:الرأي المخالف في الحكم القضائي
نشر في: 10 سبتمبر, 2011: 06:12 م