د. سعد بن طفلة العجمي لا أدري إن كانت هناك دراسة علمية وموضوعية تشرح الصورة النمطية التي يرى فيها الشعبان الكويتي والعراقي كليهما من خلالها. لكن دعونا نسجل ما يمكن أن تكون انطباعات لما كانت عليه صورة كل طرف لدى الطرف الآخر وما أصبحت عليه اليوم. في الكويت، وقبل اكتشاف النفط، كان العراق في العصر الملكي أرض "التمن" والتمر والخلال والخير والاستقرار والديمقراطية والتعليم، حيث درس في مدارسه وجامعاته كثير من الكويتيين،
وكان وجهة لكثير منهم بحثاً عن العمل، وكان ما يأتي من العراق هو الأفضل من رز- تمن العنبر العراقي، وخضراوات وتمور بل وحتى المياه كان يتم جلبها من شط العرب على سفن كبيرة ثم يتم توزيعها على دواب السقاة وموزعي المياه. بعد سقوط الملكية، ودخول العراق في عهد الدكتاتورية العسكرية، تماوجت الصورة العراقية لدى الكويتيين، فمن أزمة عبدالكريم قاسم إلى أزمة مخفر الصامتة على الحدود الكويتية العراقية عام 1973، ثم عاد العراق إلى ازدهار اقتصادي وقتي استمر حتى اندلاع الحرب مع إيران، وحينها اصطفّ الكويتيون –حكومة وشعباً وراء العراق مسانداًً له في تلك الحرب، وخصوصاً بعد انسحاب العراق من الأراضي الإيرانية عام 1982 ورفض إيران وقف الحرب وتهديدها باحتلال العراق.في حقبة الحرب العراقية-الإيرانية، جيّشت الكويت كل غال ونفيس للوقوف إلى جانب العراق، وسخّر الإعلام الكويتي لخدمة العراق في تصدّيه لما أصبح تهديداً إيرانياً معلناً باحتلاله، وتحولت الموانىء الكويتية إلى شريان دعم المجهود الحربي العراقي، حتى أن صدام حسين وقف يوماً بين جنوده على الجبهة بحضور وفد صحفي كويتي ليقول لهم: "كل خبزه تأكلونها، جاء نصفها من الكويت". وتحول الخطاب الإعلامي الكويتي إلى بوق دعائي للقضية العراقية القومية ولقادسية صدام في مواجهة "الفرس المجوس"، وسطّرت الأشعار، وألقيت الخطب، وأقيمت المهرجانات المساندة والمناصرة للعراق المدافع عن البوابة الشرقية في وجه "التتار" الجدد الذين يريدون اجتياحه. وتعاظمت شعارات المديح بالعراق شعباً وقيادة: "اخوان فطيمه"، و"هل الملحه"، وقرّاضة الفشق"، وأحفاد الرشيد وصلاح الدين، وحماة العروبة والبوابة الشرقية. ولم تكن الصورة الكويتية لدى الإنسان العراقي قبل عام 1990 سلبية أبدا، فهي تراوح بين الغيرة والغبطة والحسد والإعجاب أحيانا من الرفاه الذي يعيشه الكويتيون بعد ظهور النفط، فقبل ظهوره ، لم تكن هناك صورة واضحة المعالم للكويت في الذهن العراقي، فقد كان العراق هو الأكثر ازدهاراً وتطوراً، ولم تكن الكويت ذا شأن يذكر قبل اكتشاف البترول. لكن الغزو العراقي للكويت عام 1990، غيّر الصورة العراقية تماماً في نظر الكويتيين، وصار الواحد يقرأ أحياناً أوصافاً أقل ما يقال عنها بأنها عنصرية ومتخلفة، وغاص بعض الكتبة في مجاهل التاريخ بحثاً عما يوائم هواه بالوصف، ويعكس شعوره وألمه تجاه الغزو الغادر: وتحول "هل الملحه" إلى "أهل الشقاق والنفاق" وحامي البوابة الشرقية إلى "قتلة أهل البيت"، وأهل النخوة والقومية العربية صاروا في عيون البعض "أهل الغدر بالحسين وآله"، وصار العراقيون "النشامى" "معروفين بالغدر والخذلان منذ أن خذلوا علياً وأبناءه"،...الخ. في المقابل، فإننا رأينا الكويت التي كانت سند العراق في الحرب مع إيران، والشقيق الذي آزر شقيقه في مواجهة "الفرس المجوس"، يتحول إلى ثلة من العملاء والخونة و"بواقين النفط"، والمتآمرين على العراق العظيم ينشدون خنق موانئه وإبقائه تحت طائلة العقوبات الدولية!! ترى! إلى أي مدى رسّخ الساسة والإعلام بالبلدين هاتين الصورتين السلبيتين عن الشعبين والبلدين تجاه بعضهما؟ هل في هذه الصورة النمطية مبالغة غير دقيقة؟ أتمنى ذلك.
جســـر :كيف نرى بعضنا؟
نشر في: 10 سبتمبر, 2011: 06:21 م