هاشم العقابي يوم فتحت عيني على هذه الدنيا احببت العمامة. والسبب ببساطة لان أبي كان معمما. ولاني احبه، كما يحب أي طفل أباه، فقد أحببت كل شيء فيه. من رائحة التبغ اللذيذة التي تعط من جسده، الى عمامته. كم كنت افرح حين أساعده في لفها على ركبته اولا ثم يرفعها ليعتمرها على رأسه.
كان الوالد الشيخ يصطحبني في مجالسه العاشورائية حيث كان ينعى الإمام الحسين وكأنه يقتص من قتلته. كان أيضا معلمي لأربع سنوات في المدرسة الابتدائية. تفرحني رؤيته في البيت والمدرسة، لكني كنت افرح به أكثر حين اقرأ عموده الشعري على صفحات مجلة "المتفرج" البغدادية. ان ما ذكرني بالعمامة ووالدي هو التصريحات الأخيرة للنائب الشيخ صباح الساعدي. لقد اعتدت ان أرى صاحب العمامة ينعى الذين ماتوا، خاصة من آل بيت النبي. ولأننا، كعراقيين، مظلومون في كل زمن، كنا نجد في نعيهم، الذي يبكينا، راحة نفسية وكأننا ننعى انفسنا. لكن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها رجل دين شيعي ينعى نفسه وينعانا.كنا، من خلال مجالس التعزية الحسينية، قد تعلمنا بان القاتل اما أموي أو عباسي. خليفة أو وال أو أمير مؤمنين. أما القاتل الذي شخصه الشيخ الساعدي اليوم فهو من أولئك الذين كانوا حين يسمعون بنعي الحسين واستعراض طريقة قتله ينادون: "يا ليتنا كنا معكم". بعدما قرأت حديث الساعدي، صرت اسأل: من هذا الذي تمنوا الجماعة ان يكونوا معه: القاتل أم القتيل؟ لو كان ابي حيا لسألته.لا أظن ان من سمع حديث الساعدي يحتاج الى فطنة وذكاء ليعرف ان الرجل يريد القول ان المالكي سيقتله اليوم أو غدا. أشار بصريح العبارة الى انه عندما يتكلم يعلم ان مصيره نفس مصير هادي المهدي. وقال أيضا: " صدام بنى عرشه على جماجم العراقيين واليوم المالكي يتبع النهج ذاته باستغلال السلطة والضغط على الشرفاء. وان لم يستطع فان كاتم الصوت موجود والإعلامي هادي المهدي دليل واضح على هذا الكلام ".الشيخ الساعدي لا يحسب علينا نحن الذين يسموننا ليبراليين أو علمانيين أو مثقفين أو كفرة ملحدين، كما يحلو لهم ان ينعتونا. بل انه رجل دين، أولا، ومن التحالف الوطني الذي جاء بالحكومة، ثانيا، وعضو في البرلمان، ثالثا. رجل يحمل كل هذه المواصفات الاجتماعية والدينية والسياسية والرسمية ، ويخرج على الدنيا معلنا دنو يوم قتله. فماذا نقول حين لا نجد مرجعية نهضت ولا عمامة انتفضت ولا برلمان تحرك ولا حكومة خافت أو خجلت؟ ألم يسمعوه، وهو يحذرهم بلغة عربية واضحة: " ان لم يواجهوا المالكي فسيملأ بهم المقابر الجماعية وسيعلقون بالمشانق او ستقتلهم كواتم الصوت"؟نحن نعرف أكثر من سبب لسكوتكم لو ان الذي حذركم هو منا. ونعرف، لا بل ونعلم علم اليقين، انكم ستجدون الف مخرج "شرعي" وربما "سياسي" أيضا، يبيح هدر دمائنا كما أبيح دم هادي بالامس. لكن، هل لكم أن تأتونا بنص واحد في "شريعتكم" حتى لو كان "مخرجا"، يبيح لكم خذلان رجل دين يتلوا نبأ قتله بلسانه، ويعلن على الملأ ان صداما جديدا قادم ليستعرض آخر ما تبقى من سبايانا؟ لتحفظك السماء يا شيخ صباح.
سلاما يا عراق :صباح الساعدي .. ينعى نفسه
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 11 سبتمبر, 2011: 10:39 م