TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:فرصةٌ أخيْرة.. ودعوةٌ لتغيير الحكومة أو إسقاطِها

الافتتاحية:فرصةٌ أخيْرة.. ودعوةٌ لتغيير الحكومة أو إسقاطِها

نشر في: 12 سبتمبر, 2011: 11:21 م

 فخري كريم

‏نشر موقع موالٍ لدولة القانون المؤتمرة باسم رئيس الحكومة، جملة افتراءاتٍ  بحق مؤسسة المدى، تمادى فيها الموقع بتوجيه الاتهام

إلى المدى بارتكاب  جريمة اغتيال الإعلامي والفنان الزميل هادي المهدي.. والحجة التي يسوقها  الموقع في تهمته هي "لأنها استطاعت أن تطبع بوسترات كبيرة بعد ساعات من  الجريمة، مما يوحي إلى أنها كانت مدبرة سلفاً"!، حسب ما جاء في الموقع  المذكور.

 وبتوجيه مثل هذه التهمة، فإن الموقع والقائمين عليه أكدوا مدى تفاهة هؤلاء المفبركين وجهالتهم،

 وهم يعجزون عن تصور إمكانية طبع بوسترات خلال ساعات قليلة.. ويدفع هذا الجهل بأبسط متطلبات العمل الطباعي إلى التساؤل حول كيف يمكن لمثل هؤلاء الإقناع بإمكانية إدارة الدولة بما يتماشى مع تطلعات المواطنين والاستجابة لمطالبهم الملحة، وهو ما فشلت الحكومة في تدبيره حتى الآن.

إن لجوء الحكومات إلى تدبير مثل هذه "المقالب" الرثة، وتلفيق مواقع وأدوات تختفي خلفها، لا يعكس سوى هشاشة مواقفها، ورثاثة معالجاتها، وخشيتها من مواجهة خصومها، بل ومواطنيها، ومكاشفتهم بحقائق ما يدور في البلاد. وبدلاً من التصدي لمعالجة الأسباب والعوامل التي تقف وراء تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، واشتداد التداعي في العلاقات بين شركاء العملية السياسية، بل في داخل الكتلة الواحدة، تلجأ حكومتنا الموقرة إلى المماطلة وافتعال الأزمات وتعميقها، وخلق المزيد من بؤر التوتر والصراع، بوهم الاستفادة من الوقت للتمكن من تغيير الموازين وترتيب اصطفافٍ للوضع، يمكّنها من بسط سيطرتها الكلية والانفراد بالحكم، وهو وهمٌ يرافق بدايات كل نزوعٍ للتسلط والاستبداد.

إن الحكومة، تتحمل المسؤولية المباشرة عمّا تتعرض له البلاد من حالات الانفلات والتعديات وغياب الخدمات والبطالة والفساد ونهب الثروات واستشراء الجريمة المنظمة، التي تتغذى على هشاشة الوضع الحكومي وأجهزتها المنخورة. ولا ينفع الحكومة أن تبرر فشلها وأخطاءها وتعلقها على شماعة المحاصصة، فالذي يدرك أن المحاصصة توقعه في مثل هذه الأخطاء التي تمس حياة وعيش وأمن ورفاه المواطنين عليه ألّا يقبل وأن يترفع على هكذا سلطة، وإلا ما معنى أن تشتم المحاصصة وترمي عليها الأخطاء وأنت تعيش وتكبر عليها؟.. والحكومة بالتالي ومن بابٍ أولى تتحمل المسؤولية الأكبر عن البيئة السياسية الرخوة وانحسار مظهر أساسي للديمقراطية، والمتمثل في انسيابية تداول السلطة، وخضوعها لضوابط القدرة أو الفشل في أداء المهام والانصياع لإرادة الشعب.

 إن الإصرار، بغض النظر عن تعقيدات المشهد السياسي، على انفراد رئيس الوزراء في إدارة الدولة، والإشراف المباشر على الأجهزة والوزارات الأمنية وإبقائها تحت مشيئته المطلقة، والعمل على الإتيان بموالين خاضعين لإرادته لقيادة هذه المواقع، تشي كما لو انه واثق من بقائه على رأس السلطة إلى اجلٍ غير معلوم، دون أن نستعجل الحديث عن النزعة الاستبدادية في هذا التوجه، مع وجود طاقات سياسية لها القدرة على التصدي لمثل هذا النزوع حتى الآن، ودون تبرئة بعض المناوئين الطامعين بالوثوب إلى موقعه من هذا النزوع.

 إن من اخطر ما يواجه الدولة التي لا تزال في طور التشكل الممسوخ، والديمقراطية المرائية التي تزداد تشوهاً وتراجعاً، هو هذه الظاهرة التي تنطوي على نزعة "الأبوة والوصاية" عليها من قبل من تداولوا إدارة البلاد، أو من هم في وضع التربص بها.

فقد نسيت القيادات السياسية المتصارعة المبادئ والقيم الديمقراطية التي كثيرا ما تنادوا لتحقيقها، بل إن البعض منهم يدعي هذه الأبوة والوصاية على اعتبار انه "صاحب إسقاط الدكتاتورية" متناسياً أن (الفضل) بذلك يعود للمحتل وليس لغيره. وإذا ما كان ثمة فضل في تهيئة أجواء سقوط الدكتاتورية، فإنما يعود إلى التضحيات الكبرى التي بذلها الشعب، وهي تضحيات عمدتها دماء خيرة أبنائه من جميع القوى والأطياف. إن مفهوم تداول السلطة الذي يشكل جوهر النظام الديمقراطي، لم يعد منسياً فحسب في عرف هؤلاء، بل يستعاض عنه بصيحة "لن نسلمها" كما لو أنها ارث عشائري أو ولاية ربانية. وعند هذه القضية الجوهرية الحاسمة لم تتوقف القوى المتنازعة على السلطة ومغانمها، لأنها هي نفسها تتبنى مثل هذا المفهوم، ولم تتجرأ أطرافها على كشف المستور من جرائم الفساد والنهب والتجاوزات على الحرمات. وما لم يجر التصدي لهذا المفهوم الملغوم بقيم الاستبداد، لا يمكن التنبؤ بمصائر مسارات بناء النظام الديمقراطي.

لقد اتهمنا الموقع الموالي لدولة رئيس الوزراء بتنظيم الاجتماعات واللقاءات مع المتظاهرين وشحذ هممهم للنضال في سبيل انتزاع حقوقهم ومطالب شعبهم في الحرية ووقف الانتهاكات وتحقيق الخدمات وفرض إرادتهم وسيادتهم على مصائر البلاد كما يؤكد الدستور. ونحن نفخر بمثل هذا الدور مع أن شباب التحرير وكل ميادين الحرية في البلاد ليسوا بحاجة لمثل هذه الاجتماعات، مع أننا شركاء لهم في نشاطاتهم ودعاواهم الديمقراطية ومستعدون لتقديم كل دعم وعون لهم على طريق إرساء أسس النظام الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وترسيخ قيم ومبادئ الدولة المدنية الحضارية، من دون أي التباس. ولو لم أكن غائباً منذ أسابيع عديدة لشاركتهم تشييع هادي المهدي ووضعت باقةَ وردٍ حمراء على نعشِه، دون خشية من الموقع الموالي لرئيس الوزراء ومن الاتهام بالتعاون مع الشيوعيين الذين أثبتت مسارات العملية السياسية، وقبلها، أنهم تميزوا دائماً بنظافة اليد وقوة الضمير والاستعداد للتضحية.

إن أصحاب الموقع وشركاءهم، هم أصحاب السوابق في القتل على الهوية وتصفية الحسابات السياسية بالسلاح، وهو ما لم نمارسه يوما أو نزكّيه، ويكفيهم ما فعلوه في بلادنا من كبائر وتراجعات. أما التلويح باتهام زملاء الشهيد هادي بالتواطؤ في اغتياله، فهو اتهامٌ يرتد إليهم هم لا غيرهم، فقد عرف الشباب ومعهم الرأي العام أن الأجهزة الأمنية المرتبطة بمكتب رئيس الوزراء، دبرت مكائد ولوّحت بإغراءات، بما فيها تقديم الامتيازات والتوظيف في الدولة لإسقاطهم سياسياً، كما كانت تفعل أجهزة صدام حسين تماماً.

لقد أعلنتُ مراراً منذ شهور بأنني لم أعد على علاقة بالرئاسة، أي لم اعد ممثلاً لرئيس الجمهورية أو كبيراً لمستشاريه، مع أن الصفة المذكورة، كما أعلنت، لم تكن سوى موقع معنوي، رأيت أن أقدم من خلاله ما استطيع من جهدٍ لدعم المسار الديمقراطي. والسيد المالكي يعلم قبل غيره، إنني لم أكن يوماً منزوع الرأي أو قابلاً للمسايرة أو ليّ الإرادة، وتحرري من الموقع الرسمي المعنوي جاء لرفع المسؤولية عن الرئيس فيما أعبر عنه، والإبقاء على مسافة كافية تسمح لي بتحقيق حريتي وفك الأسر الرسمي عن نشاطي الديمقراطي. والرئيس في نهاية المطاف معروفٌ بالشجاعة والجرأة السياسية التي لا تجعله بحاجة إلى إطارٍ يختفي وراءه لتمرير آرائه ووجهات نظره.

أما الزعْمُ بأن المدى تحرّض منذ فترة للترويج لإسقاط المالكي، فهو إمعانٌ في اعتبار الدعوة للإصلاح والتغيير ضرباً من التجديف السياسي. فالمدى وكاتب هذا المقال الذي يتحمل مسؤولية المدى، كانا وما زالا مهتمين حتى الآن بالدعوة إلى إصلاح الأمور والنصح بالتخلي عن النزعات التي لا تخدم من يتصدى للنشاط العام ولقيادة الدولة الديمقراطية، وكذلك التمني على رئيس الحكومة الذي لست في موقع العداوة الشخصية له أو المنافسة على انتزاع دوره، الانتقال إلى موقع رجل دولة ديمقراطي يحترم الرأي الآخر ويتفهم أسس الشراكة في الحكم، ويستجيب لدواعي مبدأ تداول السلطة، ويتخلى عن كل ما يضعه في موقع المستهدف بسياسته ونهجه وتدابيره غير الديمقراطية.

وأجد من الواجب أن اذكر علناً وبمنتهى الوضوح، أن فرصةً أخيرة تبقّت للمالكي لتصحيح مسار حكومته، والتخلي عن النهج الذي يتأكد كل يوم تعارضها مع ما تداعت له القوى السياسية من نهج ديمقراطي لقيادة العملية السياسية. وسأتجرأ على رؤوس الأشهاد وأطالب كل القوى المعنية بالعملية السياسية والجماهير المتضررة بسياسة وإجراءات حكومة المالكي، أن تتحرك لسحب الثقة منه، في البرلمان وفي الشارع، في كل ميادين وساحات العراق، إذا لم تبدُ عليه الاستفادة من هذه الفرصة والرضوخ للإرادة العامة. وعليه أن يدرك أن الديمقراطيات التي تحترم قياداتها إرادة المواطنين، لا تنطلق من الأرقام المجردة في تقييم وجهة الرأي العام، بل عند دلالات تناقص المؤيدين للسياسة العامة وتجلياتها.

والى أن تكشف حكومة المالكي وأجهزته الأمنية الجناة الذين اغتالوا هادي المهدي، وقبله كامل شياع، وبينهما عشرات الشهداء الذين سقطوا في مظاهرات الغضب والدعوة إلى الإصلاح والتغيير، فان الاتهام سيظل يلاحقها، ولابد من القصاص أمام القانون.

فهل سيتغير المالكي، ويستفيد..؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram