في المدى، وفي القسم الثقافي، استرسل الشاعر والمثقف الموسوعي ياسين طه حافظ في حديث عراقي حميم في الثقافة والسياسة والأحزاب، لها وما عليها.. تحدث عن أخطاء الماضي ومقتضيات المصلحة الوطنية اليوم. اتسم الحديث بالروح الوطنية وبالاحترام للأحزاب وأفكارها.. قال في بداية حديثة:
اعتدت على النظر إلى نقاط الضوء، إلى ما هو جميل في الناس والحياة ولا خلاف مع الأفكار، الخلاف مع أساليب العمل والسلوك في التطبيق. وهذه مسألة تحضّر أكثـر مما هي فكرية.. وما دام مسعى غيرنا لخير الوطن وسعادة شعبه، وجب علينا احترامه. ما اهتم به هو جمع الطاقات والأفكار في اتجاه واحد لتحقيق مستقبل أفضل للناس والبلاد...""ثقافة المدى" تنشر هذا الحديث كاملاً في حلقات، على أن تعقبه طاولات مستديرة لمناقشة هذا الموضوع من قبل المعنيين بالشأن الثقافي في العراق.علاء المفرجيrn"1"ياسين طه حافظلا نريد التقليل من شأن الثقافة ولا من مدى فعلها التنويري أو التعبوي الثوري. لكننا نحاول قدر الإمكان إضفاء الحكمة على الأحكام. فما دامت هي ليست سلطة مسلحة ولا مؤسسة اقتصادية، وهي طبعا ليست طبقة اجتماعية متضررة معزولة عن نِعَمِ الدولة وعوائدها المادية، إذن يتوجب احترام الحقيقة وتغيير نغمة الكلام...لا خلاف على حقيقة ان موضوعة الثقافة، في أي افتراض، يمكن ان تكون واحدة من موضوعات مؤثرة. لكن هي بالتأكيد لا تضاهي موضوعات مثل اندماج الدول النامية بالاقتصاد العالمي أو موضوعة العولمة وتزايدها لتصل إلى انتصار رأس المال العالمي على القطاع العمالي، كما أنها تتضاءل أمام تزايد حجوم مؤسسات المشاريع وتأثيرات الرأسمالية التنافسية في العالم ودورها في أسواق وسياسات الدول النامية. وبهذا يكون الكلام في غاية البساطة حين نقول إن أكبر مؤسسة ثقافية أو أعظم دار للنشر أو أي معهد ثقافي دولي، يظل اصغر حجما وفعلا في السوق من ابسط شركة لإنتاج وتصنيع الحديد، أو السلاح، أو الطائرات، أو حتى لإنتاج السمنت أو الأنابيب. ونحن حتى الآن لم نقرنها بسلطة "نفطية". كم هو رأسمال اكبر مؤسسة ثقافية في العالم؟ الإنتاج الثقافي في بريطانيا ما يزال يتلقى دعما من الـ British Council وغرفة التجارة والكنيسة أحيانا!إن ما تستطيعه الثقافة في ظروف كالتي رأينا وبين مؤسسات مالية وإنتاجية كبيرة كهذه، هو الكشف، كشف ما يجري وتوصيفه والإعلان المباشر، أو غير المباشر، عنه. وفي هذا بيع جهد فكري وفني لقاء اجر. أي هو كشف مدفوع الثمن، ولا مجال للكبرياء!كنا في الخمسينيات العراقية نطالب الثقافة بنشر الوعي الثوري والتحريض على الثورة. أنا لا أعتقد بسلامة المطلب الخمسيني اليوم. فنحن نعرف متطلبات الثورة في أيامنا ونسبة تراجع احتمالها، وقوة الاجتهادات السياسية والاقتصادية التي تعمل على توفير ما يحول دونها. الثورات لن تندلع بعد بسبب ضائقة اقتصادية أو بسبب القمع الناري ضد المحتجين أو الساخطين. قوى الخارج الكبرى تتدخل بسرعة وبقوة أحيانا لتخفيف القمع أو منعه، ولتقديم المعونات المالية لبعض الدول لكي تتجاوز أزماتها المالية. ليس هذا عملا خيريا هذا عمل سياسي لمنع الثورة، للحيلولة دونها. ذلك طبعا من أجل الحفاظ على المصالح العليا، وأحيانا لحفظ التوازن الدولي- أو الإقليمي. ثم إن الطبقة الوسطى ونخبها، خلال هذا، تجد فرصَها، الممنوحة بقصدية عالية، هي تتقرب إلى منطقة الجدوى، أي إلى الدولة. هذا جوهر الفصل الإصلاحي. وهذا الفصل اضعف السبب الثاني للثورة. كما إن نشوء مؤسسات ديمقراطية، صدقا أو كذبا، والسماح للمنظمات المعارضة، والتي توصف بالمعتدلة، بالعمل في بعض ورش الدولة، اضعف السبب الثالث وربما الأخير للثورة.هذه الأسباب مجتمعة تخفض معدل انتشار القوى الراديكالية وتعدل مساراتها عن أن تكون قوى معادية، صِدامية. بعضها يظل في مستوى الاعتراض المدني وبعضها تدخله الدولة شريكا ثانويا في بعض المشاريع البعيدة عن الدفاع والأمن الداخلي والمالية... انتهى، أو كاد، هنا دور الثقافة في نشر الوعي والإثارة. هي الآن أدوات معرفية وفنية. توظف لدور إعلامي تنفيذي. ومكانة المثقفين ومردودهم المالي متأتٍ من هذا الدور.وهكذا انسحبت الثقافة بعيدا عن منطقة النفوذ والفعل المباشر، إلى دور التنفيس..، إلى تبنّي الهمّ الاجتماعي والمحنة الفردية كتعاطف فردي أو قيمي أخلاقي مع هامش تجاري لا يعتدّ به. وأي من المشاريع الثقافية لا يمكن أن يكون ربحيا كبيرا ،كما لا يشكل سلطة أو قوة آمرة بين قوى تسيير الدولة، والدولة النامية مشاريعها مرتبة بتوافقات الداخل أو تفاهمات الخارج أو مع الاثنين.كما إن ظروفاً هذه هي العناصر الفاعلة فيها تدفع بجموع الجماهير المتحمسة التي تنتظر اطلاق قواها في الشارع، تدفعها للشعور بضعف الطاقات المساندة وضرورة الانسحاب إلى منطقة الانتظار والتطلع لحين جني الوعود. صارت الفائدة في خدمة الدولة أكثر قربا لها وأكثر سلامة من الاصطدام بسلاحها.هنا تتضح حيرة الثقافة وبدء امتهانها. ماذا تفعل؟ هي بين قوى مادية تشغل كل المساحة وهي في حراك مستميت، تتعاون أو تتجاذب وتختلف ثم تتصالح وتحترب بمنطق نفعي لا يبدو له انتهاء. ما كان يعيه المثقف وعيا صار يرا
حـــــزن الــثــقــافـــــة الـمـــريـــــر
نشر في: 12 سبتمبر, 2011: 06:11 م