هاشم العقابيمن الطبيعي أن يضطر القارئ إلى إعادة قراءة مقال أو فصل من كتاب للتأكد من رأي أو فكرة وردت فيه. لكن من النادر أن تضطر إلى إعادة قراءة خبر مكتوب. وان حدث، فهذا قد يعني احد سببين: إما أن الخبر مرتبك ولم يتم تحريره بشكل صحيح. أو انك تكاد لا تصدقه فتصبح كما جاء في قول أهلنا: "مثل المجذب خبر". وأظن أن السبب الأخير هو ما دفعني إلى تكرار قراءة خبر عزم التيار الصدري على حشد تظاهرات يوم الجمعة القادمة لتقديم الشكر للحكومة. حدث هذا معي أيضا حين أعدت قراءة خبر اغتيال صديقي هادي المهدي غير مرة، لأنني ما كنت أصدقه أو استوعبه لحظة انتشاره.
الخبر (بيت القصيد)، والذي نشرته وكالة أنباء "السومرية نيوز" يوم أمس على موقعها الالكتروني، يقول: "أكد التيار الصدري، الاثنين، أن الحكومة العراقية وافقت على شروط زعيمه مقتدى الصدر التي قدمها في الخامس من أيلول الحالي مقابل تأجيل التظاهرة المليونية، فيما أشار إلى أن تظاهرة يوم الجمعة المقبل ستكون شاكرة للحكومة والكتل السياسية في حال التعامل مع تلك المطالب بجدية قبل موعدها". ومن سياق الخبر نفهم أن الموعد المحدد لتنفيذ الشروط، حسب قول القيادي في التيار السيد بهاء الأعرجي، هو يوم الجمعة المقبل (16 من أيلول الحالي). أي بعد ثلاثة أيام باعتبار أن اليوم هو الثلاثاء.وبحسب الأعرجي فان الشروط تتضمن: "إعطاء حصة من النفط العراقي لكل مواطن، وتشغيل ما لا يقل عن خمسين ألف عاطل عن العمل في جميع المحافظات، وتوزيع الوقود على المولدات في جميع المحافظات مجانا قبل أن يتم تحسين واقع الكهرباء في تلك المناطق". وهنا يحلو لي أن أقف عند هذه الشروط.المعلن، طبقا لأقل التقديرات، واستنادا لما صرح به وزير العمل مؤخرا، وهو من التيار الصدري أيضا، أن نسبة البطالة بالعراق هي 15 بالمئة. والمتفائلون يقولون هناك مليون و200 ألف عاطل عن العمل في عموم العراق. لكن هناك إحصاءات أخرى، لنقل متشائمة، تشير إلى أن العدد يتجاوز خمسة ملايين عاطل. لنعتمد قول "المتفائلين" ونترك "المتشائمين".لو صح ما جاء في الخبر، فذلك يعني أن الحكومة ستوفر 50 ألف فرصة عمل خلال ثلاثة أيام فقط. مما يعني، أيضا، أنها تستطيع توظيف نصف مليون عراقي في الشهر. أي أنها قادرة على حل مشكلة البطالة برمتها خلال شهرين ونصف (70 يوما). فان كان الأمر سهلا بهذا الشكل، فلم لم تفعلها الحكومة خلال مهلة المئة يوم التي أعطتها لنفسها، أو خلال الستة اشهر التي منحها لها السيد مقتدى؟ومن سياق الخبر نستشف أن المستشار الإعلامي "الرسمي" لرئيس الوزراء، (يبدو أن هناك مستشارين غير رسميين وهذا أمر غامض حقا)، قد أكد موافقة المالكي على شروط السيد مقتدى الصدر. هذا معناه أننا سنشهد في يوم الجمعة، أو قبلها، إضافة تعيين 50 ألف بطال، تسلم كل مواطن حصته من النفط العراقي، مع اشتغال المولدات الأهلية ليل نهار، لأن ثمن الوقود ستدفعه الحكومة سلفا.أي عاقل هذا الذي يصدق أن حكومة دمرت شعبها وحرمته من ابسط قواعد العيش الإنساني خلال ستة أعوام من عمر سلطتها، سترحمه خلال ثلاثة أيام؟ أذكركم بالقول التقليدي: "حدث العاقل بما لا يليق". وأعيد عليكم قول شاعر شعبي طالما رددته: "يا طابخ الفاس .. ترجه من الحديدة مرك". فيا أيها الصدريون أقولها لكم، وبصراحة، إني خائف من إنكم لو شكرتموه سيتمثل بقوله تعالى "لئن شكرتم لأزيدنكم". وعندها سيزداد عدد العاطلين وتتضاعف ساعات قطع الكهرباء وتستفحل ظاهرة كواتم الصوت ويصبح هروب المجرمين من السجون جماعيا وسيغادر الشرفاء عراقهم ليظل الوطن سجينا مهانا من قبل الجهلة والمفسدين.أملي كبير أن ينأى الصدريون بأنفسهم عن شكر الظالمين. وان لا يمنحوا حكومة ظلمت شعبها أعواما، صك غفران يطيل في عمرها، فتطيل ليل العذاب والقهر بالعراق. وحذار من كبوة قد يصعب بعدها النهوض أبدا.
سلاما يا عراق: إن شكرتموهم سيزيدوننا عذاباً
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 12 سبتمبر, 2011: 08:37 م