لم يكن مفاجئاً أن يلجأ العاهل الأردني, إلى واحد من أعضاء مجلس النواب المنحل قبل موعده, بناءً على المطالب الشعبية بحله لسوء أدائه, لتشكيل الحكومة التي ستدير العملية الانتخابية, فالمراقب يستطيع أن يلحظ أن الرئيس الجديد الدكتور عبد الله النسور, هو من عظام رقبة النظام, رغم اتخاذه مواقف مضادة لآخر أربع حكومات قصيرة الأجل, تشكلت خلال العامين الماضيين, فقد شغل الرجل خلال حياته السياسية الممتدة لأكثر من ثلاثين عاماً المنصب الوزاري لأكثر من مرة, وكان عضواً في مجلس الأعيان تركه ليترشح للمقعد النيابي, كما تولى إدارة العديد من الدوائر الهامة, حيث أثبت نجاحه في تطويرها إلى الأفضل.
النسور البالغ من العمر 73 عاماً استعان بعدد محدود من أعضاء الحكومة المستقيلة, وأضاف إليهم أربعةً جدداً يحظون بنسب متفاوتة من الرضا الشعبي, منهم نائبه ووزير داخليته الأكاديمي المحترم عوض خليفات الذي تم تداول اسمه عديد المرات ليرأس الحكومة, واثنان من النواب المصروفين, أحدهما اليساري بسام حدادين العابر للمجالس النيابية, والمستمر عضوا فيها منذ العام 1989, والدكتور نضال مرضي القطامين الذي أدى دوراً متميزا في المجلس النيابي, والعين حاتم الحلواني القادم إلى السياسة من بوابة غرفة تجارة وصناعة عمان, وفيما عدا هؤلاء فإن الرئيس الجديد ورث بقية وزرائه من الحكومة السابقة.
الرئيس الذي يبالغ في صرف الوعود بانتخابات نيابية نزيهة بدأ نشاطه بمغازلة الإخوان المسلمين علهم يشاركون في الانتخابات ووعد بتمديد فترة التسجيل لها إن ألمح الإخوان للمشاركة, وهو هنا وقع " لاندري إن كان ذلك مقصوداً " في مطب ثنائية الدولة والإخوان, ملغياً مجمل معارضي القانون الانتخابي المقاطعين, وهذا فأل سيئ, كما أنه ألقى بالكرة بين قدمي الملك, حين ربط الإفراج عن معتقلي الحركات الشعبية بمكرمة ملكية, وفي هذه كان ذكياً حين أراد منح الملك هذا الحق, وكان بإمكانه تسجيل هذا الموضوع في سجل إنجازاته, لكن العارفين طبيعة شخصية الدكتور النسور يتوقعون منه الكثير من هذه الحركات.
نحن إذاً أمام حكومة رشيقة لانحتاج لأكثر منها عدداً, وهي مطعمة بنكهة نيابية رغم حل مجلس النواب, ولعل الهدف من هذه النكهة هو إعادة الثقة بالعمل النيابي, بعد تجارب قاسية, جرى فيها تزوير الإرادة الشعبية, بإيصال فاسدين إلى مجلس النواب, أفقدوه هيبته ووظيفته ودوره الرقابي والتشريعي, وظلوا يلهثون وراء المكاسب والامتيازات, وهم على استعداد " للبصم " على كل ما تطلبه السلطة التنفيذية لقاء ذلك, ومعروف أن الرئيس الجديد والوزيرين النائبين سابقاً, لم يكونوا في عداد المحسوبين على الفساد والفاسدين, والمهم أن يتمكن النسور من تطبيق مداخلاته أيام كان نائباً, بضرورة تطبيق الولاية العامة للحكومة, وعدم تحويلها إلى إدارة تتلقى تعليماتها من الأجهزة الأمنية.
هل يمكن اعتبار تجربة حكومة النسور " بروفة " لما سيليها من الحكومات, ذلك ما يأمله الناس, وهم ينادون بحكومات لاتخضع لمزاج غير المزاج الشعبي, وهو مزاج يعرف إلى أين تقوده بوصلته, ولا يعترف بغير مصلحة الوطن ويضعها فوق كل اعتبار, ويدرك تماماً أن زمن تشكيل الحكومات في صالونات الساسة المغلقة والمنغلقة قد ولى. وأن القادم من الأيام يجب أن يشهد تطورا ملخصه أن الحكومات تتشكل في الشمس, وتحت أعين المواطنين ووفق إرادتهم ومشيئتهم.
حكومة رشيقة بنكهة نيابية
[post-views]
نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 07:32 م