ترجمة: عباس المفرجي شغل راوول رويز ، مخرج السينما الشيلي المولد الذي توفي الشهر الماضي عن عمر السبعين ، الجمهور بعينيه المتألقتين لأكثر من 40 عاما . الصور الباروكية ، والمزاج الغريب، والحبكات المتاهية، جعلت من عمله المحيّر والتلميحي لا يشبه أي عمل آخر في السينما المعاصرة.
برغم ان معظم أفلامه أُنتجت أثناء فترة نفيه في فرنسا ، فإن عمله كان جزءاً من التقاليد الخرافية التي وسمت أكثر أدب أمريكا اللاتينية ، مع كتّاب مثل غابرييل غارسيا ماركيز وخورخه لويس بورخس والفونسو رييس . كان يطيب لرويز الاستشهاد بالكاتب السوريالي الكوبي خوسيه ليزاما ، الذي صرّح بأن مهمة الشاعر هي ((الدخول في غرفة مظلمة وبناء شلال من المياه هناك )) . درس رويز ، الذي ولد في بويرتو مونت في جنوب شيلي ، القانون واللاهوت والمسرح قبل أن يصبح كاتبا مسرحيا طليعيا مثمراً . عمله المميّز الأول ، " تريس تريستس تيغرس " (ثلاث نمور حزينة ، 1968)، يتابع مجموعة شخصيات من الطبقة الوسطى الدنيا ، الذين هم ليسوا بروليتاريا ولا جزءاً من البورجوازية الأوربية الجذور في المجتمع الشيلي . وفيلمه التجريبي ، الساخر ، الذي يحمل عنواناً مبنيا ًعلى كلمة محلية يصعب نطقها ، كان متأثراً بالنوفيل فاغ ( الموجة الجديدة) وفاز بجائزة الفهد الذهبي في مهرجان لوكارنو السنمائي .رويز وأقرانه المخرجون ميغيل ليتين ، آلدو فرانسيا وهيلفيو سوتو شكّلوا " موجة جديدة " شيلية قصيرة ، في فترة رئاسة سلفادور اللينده . فلم رويز " كولونيا بينال " (مستعمرة العقوبات ، 1970)، هو نسخة ساخرة مرّة من قصة كافكا ، يدور حول التعذيب ودكتاتورية العسكر ، فكان مؤذناً بما سيحدث لاحقاً في شيلي . في عامي 1971- 72 ، عمِلَ رويز مستشارا في الحزب الاشتراكي في تحالف اللينده ، لكنه أُجبر على الهرب من البلاد أثناء الانقلاب العسكري عام 1973 . آخر فيلم أخرجه قبل رحيله كان " بالوميتا بلانكا " (حمامة بيضاء صغيرة ، 1973)، مقتبس عن رواية يمينية . ((من الواضح أني أردت تقديم نوع من القراءة النقدية للرواية ، من أجل تدميرها بمعنى من المعاني ، )) قال . ((بعد أن تولّى بينوشيت السلطة ، توقفت السينما لفترة طويلة . ))" ديالوغوس ايكسيليادوس " (حوارات المنفى ، 1975)، أول فيلم لرويز صُوِّر في فرنسا ، كان فيلما واطئ الميزانية شبه وثائقي يدور حول المنفيين الشيليين في باريس ، وملهم من مسرحية بروتولت برخت " أحاديث لاجئ " . ولم يستغرق الأمر أكثر من ثلاث سنوات حتى أصبح أثير الطليعة الفرنسية مع فيلمه " ايبوتيس دو تابلو فولي " (تنويم مغناطيسي للوحة مسروقة ، 1978). في هذا الفيلم ، جامع فن يقود رجلاً ، يجري مقابلة معه ولانراه على الشاشة ، حوّل ست لوحات بريشة فردريك تورنير في محاولة لحل غموض فقدان اللوحة السابعة . تفكّر رويز الآسر في إمكانات وحدود الجانب التصويري في السينما يعني أيضا قصة بوليسية مع مفتاح الجريمة وحلها. واصل رويز استكشاف سلسلة من الإمكانات القصصية مع " ليه تروا كورون دي ماتيلوت " (ثلاث تيجان للبحّار ، 1982)و " لا فيل ديه بيرات " (مدينة القراصنة ، 1988). الأول ، خيال سوريالي هذياني يتضمّن قاتل طفل ، وفتاة حالمة قد تكون أمه ، وقرصان يحتجزها سجينة على جزيرة صخرية ، وعلاقات سفاح القربى ، وإخصاء واغتصاب . في الثاني ــ الأول له الذي عُرِض مسرحياً خارج فرنسا ــ طالب ، بعد اقترافه جريمة قتل ، قانع بأن يقضي الليلة يستمع الى حكايات بحّار سكران عن المواخير ، ومرافئ أمريكا اللاتينية ، وسفينة طاقمها من الأشباح . هذه الأفلام قادت بالطبع الى فيلم رويز " جزيرة الكنز " (1985)، ترجمة فريدة لرواية روبرت لويس ستيفنسون ، يلعب فيه ملفل بوبو دور جيم هاوكنز ، الذي مثل في دزينة من الأفلام مع رويز . ثم إنتقل المخرج الى دراما كلاسيكية اسبانية مع فلم " الحياة حلم " (1986) ، حيث يعود ثوري شيلي سرّا الى وطنه الأم ، متذكرا أنه كان قبل عشر سنوات يحفظ عن ظهر قلب أسماء ألف وخمسمائة عضو في حركة أنتي- جونتا . تدمَج في الفيلم بعضاً من المشاهد في دراما لبدرو كالديرون دي لاباركا كان أخرجها رويز للمسرح في افنيون ." القارب الذهبي " (1990)، كان أول فلم له يُنتج في الولايات المتحدة . وبمساعدة ممثلين من جماعة " ووستر غروب " ، وأدوار ضيوف شرف للمخرجيَن جيم جارموش وباربيت شرويدر ، فتح رويز عينه المذهلة على تفاعلات مجموعة من الشخصيات في نيويورك ، حيث يبدو العنف طريقة المخاطبة الوحيدة بين الناس .أثناء ذلك الوقت ، بعد أن كان رويز يخرج معظم أفلامه بالموارد الضئيلة التي تحت تصرفه ، مُنح ميزانيات أكبر لاستخدام نجوم أكبر . لفيلم " لويل كي منت " (ظلام في منتصف النهار ، 1992)، واحد من أفلامه العديدة الذي صُوَّر في البرتغال ، استخدم كاميرا آريفلكس 535 ، التي كان يطلق عليها وصف " رولز- رويس الكاميرات " . وكما شرح قائلا : ((كن
راوول رويز.. المخرج الشيلي الذي صار أثير الطليعيين الفرنسيين
نشر في: 14 سبتمبر, 2011: 05:22 م