نجم والي حسب صاحب النوبل الألماني توماس مان، يحتاج المرء خمس سنوات على الأٌقل، لكي يكتب رواية تتحدث عن حدث مرّ، رغم أن الفترة الزمنية التي يقترحها صاحب "آل بوندينبورغ" تظل نسبية، خاصة إذا تعلق الأمر بأحداث كبيرة ضخمة، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو مثل الفترة النازية التي استمرت قرابة 13 عاماً، أو مثل الحرب العراقية الإيرانية التي دارت رحاها ثماني سنوات، وكانت حصيلتها أكثر من مليون قتيل من الطرفين المتحاربين،
إضافة إلى مليونين من الجرحى والمعوقين، أو مثل حرب الكويت التي لم تدم أكثر من شهرين، لكن آثارها ما تزال ماثلة في كل بيت أو شارع في العراق، أو وليس أخيراً كما في حالة الهجمات الإرهابية للحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على برجي التجارة العالمي في نيويورك وعلى بناية البنتاغون في واشنطن، موضوع هذا العمود، فمهما قيل أو كُتب عن الأحداث الضخمة الأخرى، يظل حدث الحادي عشر من سبتمبر مميزاً عن الأحداث الأخرى، ليس بسبب ضخامته لأن الأمر هنا يتعلق بضرب رمز أميركي وأوروبي أو رمز مثل الرأسمالية العالمية، ليس لأنه أوقع ضحايا في أميركا ذاتها، ليس لأنه ضرب مدينة استثنائية في أميركا والعالم، مثل مدينة نيويرك بكل ما تجسده من كوزموبوليتية، نظرة بسيطة لهوية الضحايا، نجد أن عدداً كبيراً منهم، قادمين من أجناس وقوميات وبلدان مختلفة، نعم ليس للأسباب هذه كلها، بل لسبب بسيط جداً، هو أن الحادي عشر من سبتمبر، لم ينته كحدث، مثلما إنتهت الحربان العالميتان أو الحروب العراقية المدمرة، الحادي عشر من سبتمبر وعلى مدى هذه السنوات العشرة التي مرت ظل حاضراً في حياتنا وبقوة، سواء في شعار "الحرب على الإرهاب" الذي رفعته إدارة بوش الابن السابقة، وطبقته على الأرض في احتلالها أفغانستان وبعدها للعراق، أو سواء في الهجمات الإرهابية للقاعدة ومنظمات أخرى شبيهة لها، فلا يمر أسبوع أو شهر وليس هناك هجوم انتحاري أو سيارة مفخخة تنفجر في هذه المدينة أو تلك، سواء في انتعاش المد الديني في العالم، المسيحية المتشددة في الغرب والإسلام المتشدد عندنا ورفعهما لواء الحرب الأيديولوجية وشعار "صراع الحضارات"، أو سواء في الأدبيات والدوريات والأفلام والمقالات والقصص والريبورتاجات الصحفية التي لم يتوقف نشرها على مدى كل هذه السنوات، الحضور "العدواني" هذا للحادي عشر من سبتمبر، جعل الكتابة الروائية عنه مباشرة، لا تحتاج إلى جهد كبير وحسب (فهذا ما يحتاجه أصلاً كل عمل روائي جيد)، بل تبدو نوعاً من التهكم أو الفبركة في علاقتها بما جرى ويجري حقيقة، الناس تحتاج أن نبتعد عن الحدث قليلا،لكي تصدق قصة ما، لكي تقرأها كما لو أنها حدثت فعلاً، ولا يهمها أن القصة حقيقية ام مخترعة، فهي تأخذ من القصة،أية قصة ما ينفعها، وفي حالة الحادي عشر من سبتمبر، من الصعب رواية قصة مقنعة، والحدث ما يزال ماثلاً أمامنا لم ينته، نعم لقد كتب العديد من الكتّاب الأميركان والإنكليز والفرنسيين، بل حتى بعض الكتّاب الألمان، كتبوا روايات موضوعها الحادي عشر من سبتمبر، كما فعل الأميركان، دون ديليلو، جون أوبديك وباول أوسيتر، لكن روايتهم جاءت باهتة، بلا طعم ورائحة ولون، وفي حالة الروايات التي كتبها الألمان، فالأمر أسوأ، لأن الروايات التي كُتبت،هي ليست غير هذر لغوي وفبركات "بطرانين"، ربما في حالة الكتّاب الأميركان، يستطيعون القول، نحن نكتب عن شخصيات أميركية أثّر عليها الحادي عشر من سبتمبر بهذا الشكل أو ذاك، لكن في حالة الألمان، فمن غير المقنع أن يكون بطل إحدى الروايات مثلاً شخصية عراقية أو أخرى أميركية يفكران وينطقان باللغة الألمانية، اللغة في النهاية هي ليست قواعد ونحو، إنها منظومة من التفكير، نفس الشيء ينطبق على الكتّاب الفرنسيين.ولكن ماذا عن الكتّاب العرب؟ أعتقد أن المشكلة هنا مضاعفة، لأن القضية لا تتعلق بالابتعاد عن الحديث خمس أو عشر سنوات، أو ربما أكثر، بل لها علاقة أكثر بموضوعة الحرية، أولاً: الحرية في المحيط الذي يعيش فيه الكاتب، بكل ما يعنيه المحيط هذا، من دولة ومجتمع ومؤسسات ومنظمات وأحزاب دينية، وثانياً: الحرية الداخلية التي يتمتع بها الكاتب، فلكي نكتب رواية عن الحادي عشر من سبتمبر، لابد من الحديث بحرية، عن الدول والحكومات والشخصيات التي موّلت الإرهاب، ولا أظن، أن كاتباً روائياً ما من الخليج مثلاً، بإمكانه الحديث عن ذلك علناً، والأكثر مأساة من ذلك، هو خوف دور النشر العربية من نشر رواية من هذا الطراز، لأن ذلك يعني، أن دار النشر سيكون اسمها على القائمة السوداء هناك، وتُمنع من الاشتراك في المعارض السنوية للكتاب، الكتّاب الثلاثة أو الأربعة العرب الذين حاولوا الكتابة عن ذلك، لم تتحدث حتى الصحافة العربية "الممولة" عن كتبهم، وتلك هي مصيبة أخرى.مصائب الكاتب العربي الحر كثيرة، وتحتاج إلى أكثر من ربيع عربي، لكي يستطيع أن يكتب وينشر بحرية، ليس عن موضوع الحادي عشر من سبتمبر وحسب، ولكن هذا وحده يحتاج إلى عمود آخر!
منطقة محررة :الرواية العربية وإرهاب 11 سبتمبر
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 14 سبتمبر, 2011: 05:26 م