TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > استذكار: محمد غني حكمت..حشرجة فـي صدر تلميذ غاب عنه معلمه

استذكار: محمد غني حكمت..حشرجة فـي صدر تلميذ غاب عنه معلمه

نشر في: 16 سبتمبر, 2011: 05:46 م

فيصل لعيبي صاحيكان الفن العراقي القديم والفن الإسلامي الى جانب الحداثة الأوربية، أهم المصادر التي استند إليها فن أستاذنا الراحل محمد غني حكمت، وكان يصر على انتمائه إلى بلاده بقوة من خلال نتاجه الفني وقد جرّب كل التقنيات والكشوفات التي مارسها فنان وادي الرافدين
قديماً وحاول أن يعيد إليها بهاءها الأول، وهو ما نراه في أشكاله التي تشبه الأختام الاسطوانية والمسلاّت القديمة والنحت البارز القريب من روحية النحت الآشوري البارزعندما دخلت معهد الفنون الجميلة عام 1964، كان أستاذنا في النحت هو الفنان صالح القرغولي، الفنان الذي لم يأخذ حقه من التقييم، حتى هذه اللحظة. لكن هذا لم يمنعنا من مراقبة أستاذ قسم النحت في معهد إعداد المدرسين، الذي كان من بقايا أكاديمية الفنون الجميلة، التي أغلقها انقلابيو( 8 شباط ) في حينها، وحولوها الى المعهد العالي للفنون الجميلة لإعداد المدرسين. كان الفنان محمد غني حكمت، هو المشرف على قسم النحت فيهوفي هذه السنة بالذات، حصل على الجائزة الذهبية من ( مؤسسة كولبنكيان ) كأفضل نحات عراقي، مع  الفنان فائق حسن  الذي حصل على الجائزة نفسها ، كأفضل رسام عراقي. كان التماس الأول معه فنياً عند إقامة معرضه الشخصي في قاعة الواسطي ببغداد عام 1965 ، قدم فيه أعمالاً خشبية وبرونزية ونحاساً مطروقاً، وهو أول من أدخل هذا التكنيك في النحت العراقي، وقد تميزت اعماله البرونزية  بتأثرها بأسلوب النحات الإيطالي الشهير مانزو، الذي كان يهتم بالبساطة والرشاقة والتكثيف وذلك بسبب عائديتها لفترة الدراسة في روما وبستويا، التي تعلم فيها طرق الصب  بمادة البرونز ، لكنه تجاوزها في أعمال الطرق على النحاس واالنحت على الخشب، مقدماً لنا تجربة مهمة بعد تجربة الفنان جواد سليم الغنية. في هذا المعرض تتوضح الملامح الشخصية للنحت عند الفنان وتطرح اسئلة تقنية وشكلية مختلفة الى حد ما. طبيعي جداً ، ان يكون أسلوب جواد سليم حاضراً هنا او هناك في هذه العمل أو ذاك، لأن الأعمال عموما، كانت توحي بتحول، غير مقطوع عن مفاهيم جماعة مدرسة بغداد للفن الحديث، التي هو احد أعضائها. كانت الأعمال بحجوم مختلفة ومعظمها صغيرة الحجم، أقرب الى العين وتسطيع الانسجام والتحاور معها بسهولة، وهذا ما فرضته أيضاً مساحة قاعة الواسطي نفسها. عام 1967 ، وضع كراساً عن ( تكنولوجيا النحت ) لطلبته في المعهد العالي.وكان هذا العام هو عام أول لقاء شخصي لي مع الفنان محمد غني ، عندما قام طلبة المعهدين بسفرة الى منطقة الصدور، ومن حسن حظي، إنه جلس إلى جانبي، وقد تحلّل الجميع من الرسميات، وبدأ الكل يظهر مواهبه في هذا الجو الجميل، وقد طلبنا منه أغنية إيطالية، فغنى واحدة من أغاني الحب الجميلة. وبدأت أسأله كطالب فضولي لمعرفة بعض جوانب الحياة في إيطاليا، وغيرها من الأسئلة التي كان التلاميذ في حاجة لها. من حسن الصدف أن صديقي العزيز الفنان منقذ الشريدة كان من تلاميذه البارزين، ويده اليمنى في تنفيذ العديد من الأعمال النحتية، التي تتطلب جهداً ووقتاً اكثر من غيرها، وهذا جعلني أرافق منقذ الى مشغل فناننا الكبير والتعرف على عالمه الفني عن قرب. هناك رأيت قطعة النحت التي أدخل فيها الكتابة لأول مرة على النحت العراقي، وكانت على شكل إسطواني ، كأنها عمل سومري او آشوري ، حيث نقش عليها كلمات أغنية : " يالزارع البزرنكوش إزرع لنا حنّة " . كانت مذهلة ودفعتنا للاقتراب أكثر من تفحص جماليات المجتمع الذي ننتمي إليه.تطورت العلاقة بيننا كأستاذ وتلميذ، وكنّا في ساعة الاستراحة نتبادل الأحاديث، فظهر جانب آخر من شخصية فناننا محمد غني، إذ كان يردد بعض البستات والمقامات العراقية، ، ذكّرني بعده الفنان عبد الجبار البناء بهذه الخصلة، أيضاً عندما تعرفت عليه، وصرنا نحيي بعض سهراتنا تحت كرمه ورعاية أم دريد الكريمة، حيث ينطلق الفنان عبد الجبار البناء بصوته الشجي بما يحلو له من المقامات العراقية،آنذاك، كنت أتأمل هذا العراقي المشحون بالحزن والآمال العريضة، وأسأل نفسي كثيراً عن سر هذا الاقتران بين الموسيقى والفن التشكيلي!! توطدت العلاقة أكثر بين فناننا الكبير محمد غني وبيني ، بعد أن دخلت الأكاديمية عام 67-  1968،وبعد أن أصبحت تلميذه وتحت رعايته المباشرة ، وأشتركنا في ندوة عن الفن العراقي عام 1969 وكان من ضمن من شاركنا فيها الفنانة الراحلة وأستاذتي العزيزة نزيهة سليم والفنان الراحل طارق مظلوم. وبقينا على صلة مستمرة حتى سفري الى باريس، عام 1974 ، ومع التطورات التي حدثت في العراق، انقطعت الأخبار في ما بيننا، لكنه عند زيارته باريس عام 1982 على ما أظن، زارني في غرفتي المتواضعة، وأطلعني على ما يجري في الأكاديمية وكواليسها، وبعض الممارسات التي مارسها حتى الأساتذة معه، وقال لي بالحرف الواحد : فيصل آني صرت مثل حامي الهدف (كولجي)، فقط لأرد الضربات المتتالية عني من هذا أو ذاك . ثم انقطعت مرة أخرى أخباره، لكننا تلاقينا في البحرين، مرة ثانية في عام 2004 على ما أظن، عند زيارته معرضنا الذي أقمناه في جمعية المهندسين البحرينيين، وقد قبّلت يده المباركة، أمام الجمي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram