هاشم العقابي ان كانت المعدة بيت الداء، كما يقولون، فاني قد أرى الرأس بيت البلاء. فالإنسان أول ما يأتي للدنيا تبدأ مشكلته مع رأسه لا مع دنياه. فهو ، ومنذ لحظة الولادة، يرفض أن يسبقه أي عضو آخر في الخروج من رحم الأم. وإن حاولت القدمان استباقه فقد يستنكر و "يطنكر" ويرفض الخروج للدنيا انتقاما من المولود. ولهذا يستعجل الأطباء إجراء عملية ولادة قيصرية حتى لا ينفجر رأس الوليد من الغيظ.
والناس عندنا نادرا ما يذكرون الرأس بخير في تشبيهاتهم وأمثالهم . فان سموا احدهم "ابو راس" فمعناها انهم يسخرون منه. وإذا نعتوه "ابو راسين" فسيلغون اسمه الحقيقي من ذاكرتهم ولن ينجو من نعتهم حتى وان رحل الى ديرة أخرى أو غادر الدنيا ومن فيها. وان امتدحوا شخصا بقولهم "عليه خوش راس"، فالمعنى ان رأسه يصلح للكفخات والمغمة. وأبو "راس اليابس" هو المعاند عن جهل. والذي "يركب راسه" هو المتكبر أو من يتصرف من غير روية. وان قال لك احدهم "راح اخلي راسي براس فلان" يعني سيقلب حياته جحيما. ولو بعثت أحدا ليستطلع لك خبرا أو، أمرا ما، وعاد ليقول لك ان النتيجة "زيان راس"، فضع ببالك ان حدثا جللا، أو كارثة قد حلت من وزن كارثة هيروشيما. وفي أغانينا، تحضرني صورة مطربنا فاضل عواد وهو يشكو للنجوم همه وخسارته: "براس الشليلة اصبحت وحجاية بالديوان". وأمي من قبله يا ما أوجعتني بنحيبها: "راسي وجعني كومي شديه". أما الطيب حسين نعمة، فاترك لكم تصور حاله وهو يشيل "السلف" على رأسه علهم يخطبون له الحبيبة القاسية.ولا يقترن حضور الرأس، عند العراقيين ، بالهم والكدر، فقط، بل وبالرعب أحيانا. فغيرنا من عباد الله، ان أرادوا الخلاص من خبر ما، فقد يرمون بالجريدة جانبا أو يغلقون المذياع أو التلفزيون أو يغيرون عناوينهم أو أرقام هواتفهم. أما نحن فالمسألة مختصرة وبغاية البساطة: "كص راس واكطع خبر". يا له من مونتاج بسيط وعملي!وإحدى أخواتنا المطربات، لم تكتف بان تبتسم، بل وتبزخ ايضا حين تغني: يا حية يا ام راسين طبي بجدرهمسمّيلي اهل البيت بس خلي ابنهم فهل من رغبة سادية تفوق رغبة إبادة جماعية لعائلة بسم أفعى ذات رأسين من اجل خلوة بالحبيب؟وبمناسبة الخلوة والحديث عن الرأس، حدث ان زارنا بلندن مطرب عراقي ضمتنا معه جلسة في احد المقاهي العربية في شارع "اجور رود" الشهير. كانت في المقهى واحدة من بائعات الهوى. ظل مطربنا يبادلها النظرات والابتسامات حتى هز لها رأسه باشارة تعني: "يالله خلي نطلع". وفعلا خرجت فتبعها. هل من اجله أم من اجل غيره؟ الله اعلم. المهم هو انه اعتذر لنا بانه نسي محفظته ومضطر للذهاب لجلبها. بيني وبينكم عرفنا القضية وعرفنا انه “حطها براسه". بعد حوالي الساعة عاد صاحبنا منتشيا. سأله احدنا: بشر أبو فلان؟ فرفع كفه فاتحا اصابعه. كان بيننا ملحن قال بصوت، لا هو بالمرتفع ولا بالمنخفض: "كذّاب". وما دمت اليوم قد ابتعدت عن هم السياسة، دعوني اروي لكم حكاية الشاعر الراحل جبار الغزي مع رأسه:ذات صباح صيفي ترك جبار مدينة بغداد، بقدرة قادر، الى الناصرية. وكما هو متوقع احتفى به أصدقاؤه هناك واحيوا له عصرية سكر في احد البساتين. سكر شاعرنا وقرر ان يعتلي نخلة أعجبته ليحتسي خمرته فوك النخل فوك. عدّل بدّل يا جبار. عاند وصعد. وقبل ان يجر أول "مجعة" سقط من النخلة على رأسه. لم يتلمّس رأسه بل تلمّس بطله فوجده سالما، ففرح. قال له الأصحاب: "جبار يمعود راسك يجري دم". لم يأبه بهم بل هوّس، وكأنه منتصر:- مبارك بطلك سالم راسك شلك بيهسلامة روسكم.
سلاما يا عراق :راسك شلّك بيه
نشر في: 16 سبتمبر, 2011: 10:36 م