ترجمة: نجاح الجبيلي اصطفت أربع قرى رتيبة الواحدة بعد الأخرى على طول الطريق. غبار. لا حدائق ولا غابة قريبة. أسيجة مزعزعة. هنا وهناك بعض مصاريع الأبواب المصبوغة بشكل مبهرج. خنزير يحكّ جلده أمام المضخة وسط الطريق، وما أن يخطف ظل دراجة هوائية عابراً طابوراً من الإوزات حتى تحول رؤوسها بتساوق وتطلق صيحات عدائية على نحو مرح. دجاج ينكبّ على نبش الشارع والزرائب بحثاً عن طعام.
حتى المخزن العام لقرية "كونستانتينوفو"* يشبه قناً متهرئاً للدجاج. سردين مملح. ماركات عديدة من الفودكا. حلويات لزجة مغلية لناس طيبين توقفوا عن الأكل منذ خمس عشرة سنة مضت. أرغفة مدورة من الشوفان أثقل بمرتين من تلك التي تشتريها من المدينة وتبدو وكأنها قد قطعت عن قصد بفأس لا بسكين. داخل كوخ "يسنين" ثمة حواجز صغيرة بالية لا تبلغ السقف وتقسم الكوخ إلى ما يشبه خزانات أو صناديق مفككة أكثر من كونها غرفاً. في الخارج فناء مسيّج، وهنا كان حمّام كالعادة إذ كان سيرجي يغلق الباب على نفسه في الظلام ويؤلف قصائده الأولى، وخلف السياج حقلٌ صغير مألوف لترويض الخيول. مشيتُ حول هذه القرية التي تشبه تماماً قرى أخرى عديدة إذ ما زالت هموم القرويين الأساسية هي الغلال وكيفية كسب المال ومجاراة الجيران فتحركت مشاعري: إن النار الإلهية التي أنارت مرة هذا الجزء من الريف أستطيع أن أحسّ بها الآن وهي تحرق وجناتي.أسيرُ على ضفتي نهر "الأوكا" شديدتي الانحدار وأحدّق في المدى متسائلاً: هل كان ذلك حقاً هو الشريط البعيد من غابة كفورستوف الذي ألهمه كتابة البيت الشعري المثير" الغابة تصطخب مع شكوى طائر الطيهوج" ؟ وهل هذا هو نفسه نهر "الأوكا" الهادئ المتعرج عبر مروج المياه التي كتب عنه:" الأكوام القشية من أشعة الشمس تكدست في عمق المياه"؟يا لها من موهبة مدهشة لا بد من أن الخالق قد قذفها في ذلك الكوخ، في قلب الصبي الريفي الحاد الطبع، لأن صدمتها فتحت عينيه على الجمال الوافر- في زريبة الخنازير ، في الجزء الذي تدرس فيه الحنطة ،في الحقول؛ الجمال الذي داس عليه الآخرون بسهولة وأهملوه آلاف السنين.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ* القرية التي ولد فيها الشاعر الروسي سيرغي يسنين (1895-1925) في مقاطعة ريازان.
فـي قرية يسنين..ألكسندر سولجنتسين
نشر في: 17 سبتمبر, 2011: 06:46 م