لطفية الدليمي في حوار طويل بين الروائي الايرلندي الشهير ( كولوم ماكين) والروائي البوسني الشاب (الكساندر هيمون) يتطرق الاثنان الى معضلات العلاقة بين الفنان – الكاتب وعمله وجملة التحديات الفنية والموضوعية التي تواجهه وهو يقوم بصياغة عمله الادبي او التشكيلي ، ويقرر احدهما ان ولوج فن الرسم يبدو امرا عصيا على التفسير كظاهرة ابداعية محددة الملامح والامر ايسر فهما واستيعابا بالنسبة للعمل الادبي ..
يقول الروائي البوسني (اليكساندر هيمون ): يمتلك جميع الفنانين ومن ضمنهم الكتاب اخلاقيات المهنة وجمالياتها وسواء نجحوا في تشكيل اعمالهم وصياغتها فأن لهم تقاليد عمل واخلاقيات اكتسبوها من مزاولة المهنة ، الفرق بين الكاتب والرسام ان الرسام يعولّ كثيرا على عملية التأويل سواء من قبل المتلقين او النقاد ، )بينما يشير (ماكين )الى الموضوعة التجارية لدى الرسام والتي تضعه ضمن لغة محددة وواضحة حسب متطلبات السوق لانه أصبح جزء أساسيا من عملية ( البزنس) ، ورغم ان معظم أعمال رسامي العصر خاضعة للعرض والطلب والمواصفات التجارية الرائجة إلا ان احد الفنانين المعاصرين أطلق تصريحات حول مفهوم ( الاستعمالية ) في الفن ، وهي تصريحات تشبه ان يمشي المرء في حقل من القطران الطري فما أن تسحب إحدى قدميك من القطران اللزج حتى تجد قدمك الاخرى قد غاصت عميقا فيه – تصريحات لاعلاقة لها بواقع اعماله الفنية بل تكاد تكون لاعلاقة لها بأي شيء سوى الانهمارات اللغوية والمصطلحات اللزجة ، ويرى الكساندر هيمون ان الفن التشكيلي أوسع انتشارا من الادب ،حتى ليمكن لأي شيء أن يكون فنا ويسمى عملا فنيا ، وهذا اختلاف جوهري بين الفن والادب ، فكثير من الفنون ليست أكثر من ايماءات بلا مضمون ، بل انها حتى ليست شيئا بحد ذاتها ،ومن الطبيعي ان لايتمكن مثل هذا العمل الفني ان يحنفظ بوجوده دونما عملية التأويل فبوسع التأويل التعامل مع كل شيء او أي شيء دونما تحديد ، اما الأدب فهو يختلف اختلافا كليا عن هذا النمط من الفنون المغلقة ، العمل الادبي شيء محدد – شيء ما له اسم وشكل ومواصفات فهو إما ان يكون قصيدة او قصة او كليهما ، وهذا مايسهل عملية تعريف ماهية الادب دونما حاجة الى التأويل الذي يعتمد عليه الفن التشكيلي اعتمادا مطلقا ..فالأدب يعتمد الخبرات اللغوية واللغة حالة متاصلة بل وفطرية لدى الجنس البشري ، وهي لازمة وحتمية لتنتج عملية التفكير ،ذلك ان القصة والشعر متاحان لأي كائن يتعامل مع اللغة فيبدو الامر أيسر لنا نحن الكتاب من الرسامين .. يؤكد الروائي الايرلندي ( ماكين ) ان قدرا يسيرا من التعاطف مع العمل الادبي لهو أثمن واكثر جدوى من حمولة سفينة مشحونة بالأحكام النقدية والمصطلحات - ونتمادى نحن الكتاب في تبرير انفسنا عبر المعاني ، اننا نوضح انفسنا على نحو متواصل في كتبنا واعمالنا ونشبه في ذلك معلقي المباريات الرياضية في تبريرهم لكل شيء على أرض الملعب.
كلاكيت :الكاتب يبرر نفسه بالمعاني والرسام بالتأويل
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 17 سبتمبر, 2011: 06:49 م