TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > فضاءات :أزمة التاءات الثلاث

فضاءات :أزمة التاءات الثلاث

نشر في: 17 سبتمبر, 2011: 07:34 م

 د. مهدي صالح دوّاي سادت في ستينيات القرن الماضي العديد من المسميات والتوصيفات ذات العلاقة بأدبيات التنمية الاقتصادية في محاولة لفك الغاز التخلّف ، والانطلاق بالدول المستقلة حديثا" نحو التطوّر والنمو ، ومن بينها ما عرف ( بأزمة التاءات الثلاث ) في إشارة واضحة إلى حالات ( التخلف والتجزئة والتبعية ) التي عانت منها تلك الدول ، وبعد مرور نصف قرن على تلك المقولة ، نجد من الضروري أن يتعاطى الاقتصاد العراقي مع تلك المقولة برؤية اقتصادية معاصرة ، وهو يمر بمرحلته الانتقالية منذ ثماني سنوات .
فالملاحظ أن ريعية الاقتصاد العراقي باعتماده شبه الكامل على الصادرات النفطية  - وليس المنتجات النفطية – قد أوسمته بصفة الاقتصاد أحادي الجانب ، لاسيما مع وجود موازنات فلكية ثلثيها يتجه نحو إنفاقات تشغيلية وليست استثمارية ، وبالنتيجة بقاء قطاعاته الإنتاجية متخلفة بمؤشراتها الاقتصادية ، فليس من المستغرب أن نجد نسباً عالية جدا" من البطالة في بلد يتساوى بمساحته مع ألمانيا ذات الثمانين مليون نسمة ، ويزيد ضعفا" على مساحة اليابان ذات المئة وثلاثين مليون نسمة .وتظهر سمة التجزئة ليس بمنظورها الجيوسياسي ، وإنما بغياب التكاملات الأفقية  والعمودية في ما بين قطاعاته الاقتصادية ، وأقاليمه الجغرافية ، فقد حتم النمو الأحادي لقطاع الصناعة الاستخراجية أن يمارس أدوارا" انعزالية داخل البلد الواحد ، في حين عطلّت النزعة الاستهلاكية المعتمدة على الاستيرادات الكثير من المشاريع المحلية غير المحمية ، وبالتالي ضعفت روابط الاندماج مابين مناطق العراق على الرغم من امتلاكها العديد من المزايا المطلقة والنسبية القادرة على تأسيس مشاريع صناعية وزراعية وخدمية رائدة .    يضاف إلى ذلك، أن المصادر الريعية للدخل قد تم تدويرها نحو الخارج لتلبية سلة الحاجات اليومية من السلع الاستهلاكية والاستثمارية وباليات غير مسبوقة من الاستيراد غير المنضبط ، فكان لهذه السلوكيات آثارها السلبية في وجود العديد من الانكشافات والفجوات الغذائية والتجارية والتقنية ، مما نتج عنه إشكالا" من التبعية نحو العالم الخارجي ، وما تشكله تلك التبعيات من أعباء اقتصادية ونفسية وسياسية ، لعل أهمها ضعف الثقة بالاقتصاد العراقي.أن البحث المعاصر في مضامين أزمة التاءات الثلاث قد تغير عما سبق من تحليلات ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فمضامين التطور التي شهدتها الدول النامية قد أسست لمعاني تناقض تلك التاءات ، إذ أن هنالك ( تطوّر وتكامل واستقلالية في إرادة التغيير )، وهذا ما ننشده في الاقتصاد العراقي من خلال ادوار وطنية وإقليمية ودولية فاعلة . فمهمة تجاوز تلك التاءات ليست مستحيلة على الرغم من ظهور أشكال جديدة من التبعية في أدبيات النمو والتنمية ، فطيلة عقود مضت كان الاختبارات قاسية في ظل فضاءات ضيقة للفكر الاقتصادي ، أما اليوم فينبغي أن نغادر نحو إعادة بناء منظومتنا الاقتصادية بكل ما نملك من عقلانية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram