عباس الغالبي ما إن وضعت الحرب أوزارها عام 2003 ، حتى دخل الاقتصاد العراقي في دوامة ومتاهات التركة الثقيلة للديون التي أتحدى أية جهة أو شخصية أن تحددها بالدقة المتناهية بسبب عدم وجود قيود أو أصول حقيقية لها ، ماجعل المجال مفتوحاً لدول او منظمات او مؤسسات او افراد للتحليق عالياً في فضاء الديون العراقية .
وفي استرجاع للاجراءات والمفاوضات التي أجريت بين الجانبين العراقي من جهة والدول والجهات الدائنة من جهة أخرى ، نرى أن مشهد الديون تبلور على شكل ثلاثة أقسام ، أولهما ما يتعلق بالدول التي أطفأت وتنازلت عن ديونها بالكامل كالولايات المتحدة الاميريكية وبريطانيا وفرنسا ، وثانيهما مجموعة أعضاء نادي باريس التي خفضت بما نسبته 80% من مجموع الديون المترتبة على العراق ، حيث شهدت مفاوضات بين لجنة مختصة للعراقيين وصندوق النقد الدولي الذي اشترط جملة من الاشتراطات التي تتعلق باصلاحات اقتصادية تجريها المؤسسات العراقية قبالة خفض الديون من قبل هذه الدول المنضوية تحت لواء مايسمى بنادي باريس ، أما القسم الثالث من هذه الديون فهو مايتعلق بالدائنين التجاريين من مؤسسات وأفراد وهنا لب المشكلة ، حيث أصبح العراق عرضة للابتزاز من أي دائن تجاري بمجرد مايقدم قضيته الى محاكم العالم ويكسبها قضائياً يصبح من حقه مطالبة العراق بدفع مايترتب عليه من مبالغ بسقف الدين التجاري ، وهذا الامر جعل الادارة الامريكية تعمل على استصدار قرار رئاسي سنوي تحمى بموجبه الاموال العراقية التي هي عبارة عن العائدات المالية للصادرات النفطية الموضوعة في صندوق تنمية العراق بموجب قرار مجلس الامن المرقم 1834 الصادر عام 2003 ، ومارافق ذلك من تسويات مالية مع الجانب الامريكي انتهت بدفع العراق مايقارب من 500 مليون دولار لاطفاء هذه الديون ، أما ماعدا ذلك فأن بعض الدول ولاسيما دول الخليج العربي كالكويت والسعودية تعاملت مع هذه الديون كأنها واقع حال بقيمتها وفوائدها من دون ان تبادر لخفض جزء منها .ولكن مايثير الدهشة حقاً ان تعلن مؤسستان رسميتان عراقيتان كديوان الرقابة المالية والبنك المركزي العراقي عن سقوف لهذه الديون فيها بون شاسع، حيث تفصح هذه الارقام عن خلل واضح بالتقديرات ومصادرها وأصولها ، لانه لايمكن ان تكون مصادر عدة ومؤسسات عدة وجهات عدة لهذه الديون في وقت يفترض ان يصار الى توحيد الجهود باتجاه تقديرها أو تحديدها ، لان هذا الاختلاف ينم عن تعدد مصادر القرار وعدم توخي الدقة في تحديد الديون التي مازالت تشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني ، لان التعامل مع ملف الديون بهذه الكيفية غير صحيح بالمرة ، ويتطلب الامر توحيد الجهود بين هاتين المؤسستين الرصينتين اللتين أثبتتا كفاءة ومقدرة ونزاهة في التعامل مع المهمات المناطة بهما والوصول الى سقف صحيح مبني على تقديرات حقيقية.
اقتصاديات :دقة ديون العراق
نشر في: 17 سبتمبر, 2011: 07:35 م