TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قانون التربية واللغة العربية

قانون التربية واللغة العربية

نشر في: 18 سبتمبر, 2011: 06:16 م

د. جبار سويس الذهبيمنذ أيام أقر مجلس النواب العراقي قانون التربية بعد التصويت عليه، ورفعه إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليه. القانون الجديد لا يختلف في كثير من مواده عن القانون رقم 34 لسنة 1998، إلا في بعض بنوده التي من بينها منح العاملين في وزارة التربية مخصصات مقطوعة، وكذلك إلغاء بعض التشكيلات ودمجها مع غيرها، وأيضا استحداث مديريات خاصة بلغات الأقليات السريانية والتركمانية فضلا عن اللغة الكردية التي كانت موجودة أصلا.
ما يعنينا هنا أن القرار مع عنايته بلغات الأقليات واستحداث مديريات خاصة بها، قد أغفل الإشارة إلى اللغة العربية التي هي لغة الأغلبية الساحقة من الشعب في العراق، واللغة الرسمية الأولى التي أقرها الدستور العراقي الجديد!!هذا الأمر يبدو مستغربا حقا، ولعل أصحاب القرار قد يدافعون عنه بأن التعليم في العراق، ولا سيما الابتدائي والثانوي والإعدادي يعتمد اللغة العربية. لكن حقيقة الأمر أن واقع اللغة العربية في المدارس بجميع مراحلها يدعو إلى التأمل والتوقف عنده طويلا؛ فلو استثنينا مدرسي اللغة العربية الذين هم بحاجة دائمة إلى تطوير القابليات التدريسية وإغناء معارفهم وتنمية كفاءاتهم، فإن مدرسي اللغات الأخرى يجهلون كثيرا من أساسيات التحدث باللغة العربية السليمة، وهذا الأمر ينعكس بلا شك على الأداء السليم المنشود لدى الطلاب وفي جميع المراحل.هذا الأمر تُنبِه له منذ أكثر من ثلاثين عاما، وهو الأمر الذي دعا إلى استحداث معهد يقوم بمهمة العناية بسلامة اللغة العربية وتطوير تدريسها، من خلال تطوير قابليات معلميها ومدرسيها، والنظر في المناهج وتقويمها، وتقويم الكتب والنشرات والمطبوعات التربوية، والوقوف على الأخطاء اللغوية التي تفشت بين المثقفين والمتعلمين. إلا أن هذا المعهد ومنذ أمد بعيد لم يحظ بالاهتمام والعناية اللازمين للنهوض بالأعباء الكبيرة والجليلة في حماية اللغة العربية والدفاع عنها؛ فبات يتقلب مع تقلب أهواء السياسيين؛ فتارة هو معهد يحظى باستقلالية إدارية وعلمية، وهيكلية تنظيمية ضمنها له نظامه الداخلي الذي تأسس عليه. وتارة هو قسم تابع لمعهد التدريب والتطوير التربوي، وبذا ظل هذا الصرح الذي أُريد له أن يكون الحصن الحصين والمدافع الرصين عن اللغة العربية، مهملاً لا ذكر له في تشكيلات وزارة التربية، ولا يعدّ حين تعد مديرياتها وأقسامها.والغريب أيضا وعلى الرغم من الوضع المزري الذي تعيشه اللغة العربية، والذي فرض عليها التراجع أمام اللغات العالمية الأخرى، مع كونها واحدة من اللغات العريقة والكبيرة، هذا التراجع الذي أسهم فيه أبناؤها الذين هجروها إلى غيرها مما يسمى بلغات العلم الحديث، واتساع الهوة بين اللهجات المحلية والعربية الفصحى الأمر الذي أضر بالعربية كثيرا. أقول هذا الوضع يحتاج من أبناء اللغة العربية إلى الجهود الكبيرة من أجل نجدتها والحفاظ عليها، وحماية إرثها الديني والثقافي والعلمي،فبضياع اللغة –لاسمح الله- سنضيع إرثا خلفته لنا أجيال وأجيال من العلم والمعرفة، هذا الإرث الذي نباهي به الأمم،ونداري به عجزنا عن اللحاق بركب العلم والمعرفة لقصورنا وتقصيرنا. وكذلك إجابة الدعوة التي وجهتها المنظمة العربية للتربية والعلوم (الأسكوا) التي استشعرت الخطر المحدق باللغة العربية فهبت تدعو إلى ضرورة حمايتها ووجهت بأن تعمل الدول العربية على إنشاء مراكز للحفاظ على سلامة اللغة العربية؛ فلبت بعض الدول العربية النداء، وبعضها الآخر يعمل على هذا الأمر فأنشئت المراكز المتخصصة بعلوم اللغة العربية، ورصدت لها الأموال وجندت لها الجهود، فشملت بالعناية والاهتمام الكبيرين، وأقيمت المعاهد المتخصصة بتطوير تدريسها وتيسيره على المتعلمين، والبحث في كل ما من شأنه رفع شأن اللغة العربية وإعادتها إلى مكانتها التي يجب أن تكون عليها.ومن المستغرب أيضا أن العراق مع كونه أول  من تنبه إلى هذه المسألة ومنذ سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه لم يعمل على تطوير تجربته في الحفاظ على اللغة العربية، والمتمثلة بإنشاء معهد تطوير تدريس اللغة العربية الذي ناله من العسف الكثير عبر سني عمره، والأشد استغراباً اليوم أن هذا المعهد -الذي ليس له من المعهد إلا الاسم- لم يشر إليه في قانون التربية الجديد أو الذي سبقه إشارة أو حتى تلميحا، وكأن لا وجود له على أهميته وخطورته، واللغة التي يعمل من أجل حمايتها، وكأننا في غير بلدانها!!من هنا والحال هذه ليس لنا إلا أن نناشد ماتبقى من نخوة وغيرة لدى أبنائها ولاسيما الساسة والمسؤولون منهم، ونخص المسؤولين في وزارة التربية وعلى رأسهم  وزير التربية وندعوهم إلى النظر إلى هذه المسألة بكثير من العناية وبجدية أكبر، واستشعار الأخطار المحدقة باللغة العربية التي نرى ونسمع كل يوم الإساءات الكثيرة التي تطولها من أبنائها، وإعادة تفعيل عمل معهد تطوير تدريس اللغة العربية وإيلائه العناية التي تستحقها اللغة العربية، من أجل النهوض بواقعها والدفاع عنها والوقوف بوجه التيارات التي تحاول طمس معالمها وضياع إرثها العظيم. فالواجب يدعو إلى دعم المعهد وتوسعته، والعمل على رفده بجميع ما يحتاجه من جهد علمي ومادي، وأول احتياجاته أن يكون مستقلا، وأن تخصص له بناية تليق باللغة التي كرمها الله تعالى وجعلها لغة دينه الذي أظهره على الدين كله.. والله من وراء القصد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram