فوزي كريمأرِك أورمزبي شاعرٌ بالغ الهدوء والصمت، في حياته الشعرية، وحياته كباحث في التراث الإسلامي. بالغ الوداعة، والتواضع. حين تعرفنا على بعض كان لا يضع ورقة معرفته على الطاولة، في كل حين. ولذلك استعنتُ بمواقع الانترنيت، كي أتعرف عليه أكثر كشاعر وباحث إسلامي. آخر لقاء لي معه أخبرني بأنه منشغل بصورة لا تخلو من مشقة بترجمة كتاب "نهج البلاغة" للإمام علي. وهذا السعي تم بتكليف من "معهد الدراسات الإسماعيلية" في لندن. وهو المعهد الذي يعمل فيه منذ زمن.
أرِك أورمزبي، من مواليد جورجيا1941. شغل مناصب جامعية أمريكية عدة كأستاذ في الإسلاميات. وبالرغم من أنه بدأ الشعر في شبابه، إلا أنه لم يُقبل على النشر إلا في عام 1985. في عام 1990 أصدر أولى مجموعاته بعنوان "المزار البافاري"، التي حصلت على "جائزة كويبيك". ثم توالت المجموعات: "السواحل"، "الإله المتواضع"، "عربي"، "فجر عند المضائق"، "ميثاق الزمان". وأخيراً "قرود هادا"، التي صدرت هذه الأيام عن دار Carcanet. لم أفهم "هادا" التي في العنوان، ولم أسأله عنها حين كتبت له أهنئه على صدور المجموعة. ولعلها اسم لواحدة من هذه القبائل، التي انتشلها الشاعر من عتمة المجهول، وألقاها أمام القارئ.لم أسأله لأني واجهت طوفاناً من هذه المفردات داخل القصائد، المفردات التي بدت لي مجهولة في حقل اللغة الشعرية. اعتذرت له عن قصور إنكليزيتي البائسة. على أني وقعت على حوار معه، نُشر في مجلة MicGill، ترد فيه هذه الشكوى التي أعادت لي شيئاً من الثقة. يقول المحاورُ الانكليزي: "..إن أحد النقاد مؤخراً لاحظ أن أورمزبي هو أحد هؤلاء الشعراء، الذين ما أن نقرأ لهم حتى نهرع إلى قواميسنا، بحثاً عن معنى لكلمات غير مألوفة يلقوها في طريقنا. وأورمزبي يُقرُّ بأنه يذهب بعيداً في هذا، لأنه من النادر أن يستجيب لمفردات مستهلكة، مملة. ويفضل عليها المفردة البديلة المثيرة للخيال والعاطفة." النسبة الكبيرة من هذه المفردات العصية تعود، في القصائد، إلى تفاصيل في حياة وأعضاء الحشرات والحيوان التي استأثرت بمخيلة الشاعر: العنكبوت، النجم البحري، البطريق، الأفعى، والقرد المتأمل. القصائد ترود مجاهل الذاكرة أيضاً، ومجاهل الموروث العربي الذي يجده أرِك غاية في الغنى، ويعيب المثقف والشاعر الغربيين على جهله به. عناصر شعرية تبرر بصورة ما هذا الارتياد المعقد للغة القاموس. الشاعر أرِك يفلت أحياناً من قبضة الرغبة في ارتياد مجاهل اللغة، ليصفو إلى عاطفته الرائقة. انتفعت من ذلك لأنقل إلى العربية واحدة من هذه اللحظات، في قصيدة عذبة بعنوان "بعد بيكوير". وهي إعادة كتابة لقصيدة شاعر رومانتيكي إسباني يُدعى غوستافوبيكوير:سترجعُ ثانيةً طيورُ السنونو الداكنة ولكن، أين سنكون حينها، أيتها العزيزة؟حين ترجع ثانيةً طيور السنونو وتبني أعشاشها تحت شرفاتنا.ونحنُ، هل سنكون أصغرَ حجماًمن هذه الأجنحة الخاطفة التي تُخفي تواريخنا؟هل سنكون أقلَّ شأناً من هذه المخلوقات المَصونة للربيع المُخلص؟أُحس باهتياج كلِّ جناحٍ صغيريُقبلُ إلينا بموسم الأمل ثانيةً.طيورُ السنونو تحلّقُ مُعززةًأعشاشها السريةَ التي خلّفتها لنايومَ هاجرت في الخريف. ويومَ تحينُ ساعةُ عودتهم من جديدنكونُ رحلنا، أيتها العزيزة، وطمرَنا النسيان،ولكنه نسيان سيهبُ السنونو عيداناً لعشٍّ جديد.
من البرج العاجي: أيـن سنكـون حينهـا، أيتهـا العزيـزة؟
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 18 سبتمبر, 2011: 06:49 م