عباس الغالبي لا أعرف ما الذي ترمي اليه وزارة المالية بتأكيدها الاسبوع الماضي خلو موازنة عام 2012 من العجز ، في وقت تتحدث المسودة التي يناقشها الان مجلس الوزراء الى أكثر من 20 مليار دولار ، وهي بطبيعة الحال من اعداد وزارة المالية لاغيرها .
ويبدو ان بعض المسؤولين في وزارة المالية يختلفون في الرؤى والتفكير والخبرة والتوجه ، ذلك ان الثوابت الاقتصادية لا تقبل القسمة على اثنين وفي حالات عدة صعبة التغيير الا بمعاملات خاصة ، حيث ان التأكيد على امكانية معالجة العجز المتوقع سلفاً خلال الاسبوع الماضي والاشارة الى رفع الموازنة الاستثمارية الى النصف ومساواتها مع شقيقتها التشغيلية كلها تعد اجراءات ومعالجات تضمنتها الموازنة العامة للدولة بحسب الوزارة وتصب في صالح هذه الموازنة ومدعاة لتنوع مصادر دخل الاقتصاد الوطني الذي ما زال ينعم بوثنيته النفطية المفرطة.ولكن عندما تدفع الموازنة الى مجلس الوزراء وبهذا العجز الكبير فأنها مفارقة في عالم التقديرات والتخطيط والتوقع في مؤسسة حكومية تعد من أهم المؤسسات الاقتصادية المسؤولة عن السياسة المالية التي تعد ركنا أساسياً من اركان المشهد الاقتصادي ، ويندرج هذا في اطار عدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب واعتماد التصريحات غير الصحيحة في ظل التجاذبات السياسية التي عادة ما تلقي بظلالها على القرار الاقتصادي .ان التصريح بخلو الموازنة من العجز يفترض ان يكون مبنيا أساسا على حقائق ومعطيات علمية لان يكون ارتجالياً من دون ادنى مسوغات له ، وهذا التناقض بين تصريحات سبقت النهائي للمسودة الاولى يفضي الى ان العاملين على اعداد الموازنة او من تبنى هذا التصريح لا يفقه من الموازنات المالية التي تعد سنوية قصيرة الامد ، كما انه يحسب متسرعاً غير ذي جدوى لان العجز في الموازنة يعد أمراً طبيعيا في ظل ارتفاع النفقات التشغيلية على حساب الاستثمارية ولكن ان يجري التعامل مع هذه الحقيقة على طريقة ( الحدوتة المصرية ) يعد امراً مضحكاً على ان السياسة المالية في العراق تسير الى منزلقات لا يحمد عقباها في وقت نحن أحوج ما نكون الان الى سياسة مالية رصينة تتعامل مع المتغيرات والحقائق الاقتصادية في العراق بشكل علمي وعملي يتطلع الى نتائج ملموسة ذات جدوى .والسياسة المالية في العراق التي تعتمد التوسع الانفاقي يفترض ان تعمل على التنسيق مع السياسة النقدية الساعية في الوقت نفسه الى تقليص الانفاق سعياً للجم جماح التضخم ، كما انها يفترض ان تعمل على التنسيق العالي المستوى مع السياسات الاقتصادية الاخرى تحقيقاً للتكامل والاستقرار الاقتصادي المنشود في بلد يعاني من تركات وازمات اقتصادية كبيرة وتراجع كبير للقطاعات الانتاجية وانحسار شبه تام للقطاع الخاص واستشراء مهول للفساد المالي والاداري على الرغم من وجود المؤسسات الرقابية التي مازالت تعمل عرجاء.
اقتصاديات: حدوتة عجز الموازنة
نشر في: 19 سبتمبر, 2011: 06:47 م