د. خالد السلطاني1-2 معمار وأكاديمي*عندما يبدي المرء إعجابه بعمارة مبنى معين، بسبب حسن تكوينه، أو بباعث جمالية معالجات واجهاته، أو فرادة حله التصميمي، أو عندما يدهش لناحية وجود جميع تلك المواصفات معاَ في مبنىً واحد؛ فان ذلك يعد امرأ طبيعياً وحتى مألوفاً. لكن الأمر يضحى غير طبيعي وغير مألوف، عندما تغدو مدينة بـ "جميع" مبانيها،
باعثاً لمدار ذلك الإعجاب أو الدهشة. صحيح انه لأمر نادر، وربما استثنائي، لكن المشهد التخطيطي والمعماري لا يخلو من ذلك.مدينة "برازيليا" (عاصمة البرازيل) إحدى تلك المدن التي تنطبق عليها مثل تلك المعايير، هي التي بها يتمثل معنى المدينة "الفاضلة" تخطيطيا ومعماريا. فالمدينة/ العاصمة التي بدء تشييدها في منتصف الخمسينات (1957)، وافتتحت رسميا يوم 21 نيسان (ابريل) 1960، جسدت كل ما هو حداثي وطليعي، إن كان ذلك في المجال التخطيطي أو في الشأن المعماري. ولحسن الحظ، حظ العمارة والمدينة معاً، أن يوكل أمر تخطيطها وتصميم مبانيها المهمة إلى أهم شخصيتين في ذينك المضمارين: التخطيط والعمارة، إلى المخطط "لوسيو كوستا" (1902-1998) Lucio Coasta، والى المعمار"اوسكار نيماير" Oscar Niemeyer (1907-) والأخير، نعم!، لايزال حيا يرزق! .وبرازيليا مدينة جديدة بكل معنى الكلمة، فهى وإن أنشئت من "فراغ"، فإنها تظل تتميز عن قريناتها من المدن الجديدة، كونها مدينة حداثية. وحداثيتها تستقيها من نهج مخططها الحداثي، ومن المقاربات الطليعية لمعمارها الأبرز. إنها في هذه الحالة تتصادى بأهميتها مع أهمية مدن قليلة خططت وصممت من قبل مصممين مشهورين، تحتفظ الذاكرة المعمارية بها أمثال جندكار عاصمة البنجاب بالهند، وإسلام آباد عاصمة باكستنان الجديدة وكامبيرا في استراليا وغير ذلك من المدن الجديدة. قد تكون أهمية جندكار قريبة جدا من أهمية برازيليا. فالأولى خطط وصمم مبانيها الرئيسية رائد الحداثة المعمارية: لو كوربوزيه (1887-1965)، لتكون العاصمة الجديدة لإقليم البنجاب، بعد أن تم تقسيم الأخير إثر انفصال باكستان عن الهند في 1947، واحتفاظ البنجاب الباكستاني بالعاصمة التاريخية لاهور. وكلتا المدينتين "شغلتا" ببزوغهما الخطاب المعماري طويلا، لجهة "تخليق" فرصة، في رؤية فعل تحول الطروحات النظرية المعمارية والتخطيطية الطليعية إلى واقع معاش.ومع إني انوي الحديث، هنا، عن مباني برازيليا، وصورها الملتقطة من قبل المصور الفوتوغرافي العالمي/ السويسري المولد "رينيه بوري" (1933)Burri René؛ المنشورة في كتابه <برازيليا> الصادر حديثا، بيرن،2011، (وبالمناسبة فان "بوري" هو ذاته صاحب الصور <الأيقونية> للثائر جي غيفارا بسيكاره الشهير)؛ إلا أني سأتوقف ملياً عند جندكار، فقط لأنها تشترك مع برازيليا في حدث اقتران القيمة التخطيطية- المعمارية العالية مع كلتا العاصمتين. ففي عمارة مباني جندكار، يدنو لو كوربوزيه من تخوم أعلى قمة من قمم مقاربته التصميمية المميزة والآسرة، تلك المقاربة التي أسست (مع آخرين) عمارة الحداثة. صحيح انه سيدهش، لاحقا، العالم المعماري برائعته "مصلى رونشان"، لكنه، الآن، في جندكار، منهمك في استيلاد فورمات، غير عادية لمبانيها المهمة مثل مباني البرلمان، والسكرتارية، والمحكمة العليا وغيرها من المباني التي أعطت جندكار فرادتها المعمارية والتخطيطية. معلوم أن لوكوربوزيه هو رائد التخطيط الحداثي بلا منازع، مبادئه التى شكلت، في ما بعد، قوام ما يعرف بـ "وثيقة أثينا" للتخطيط (1933)، والمتمثلة في وظائف المدن الأساسية: السكن، العمل، الراحة، والمتجسدة في مواضيعها: القطاع (الإقليم)، الاتصالات، والتشريع. وهي ذات المبادئ الأساسية التي سعى إلى تطبيقها في إعادة تخطيط مدينة الجزائر (1938-42)، والتى على إثرها تم ايقافه عن العمل من قبل المسؤولين الفرنسيين، بذريعة التعبيرالمبالغ في جمالية و"إنسانية" الطرح التخطيطي!. لكن ذلك موضوع آخر!. ثمة، إذا، عمارة: مميزة، ومعبرة، وبالطبع حداثية، حافل بها مشهد العاصمة البرازيلية الجديدة. وهذه العمارة تجسدها مبانٍ عديدة، سواء كانت عامة أم خاصة. لكننا ليس بوسعنا التوقف، هنا، عند الكثير منها. سنصطفي نماذج مقننة، بحكم طبيعة المقال، الذي ننشد به إبداء إيماءة إعجاب بمجمل عمارة برازيليا؛ أي تلك العمارة المصممة من قبل مبدع البرازيل الفذ، هو الذي تحدثنا عن عمارته، يوما ما، في دراسة مطولة، عنوانها "مفرد بصيغة الجمع" مستعيرين كلمات العنوان من كتابات الشاعر ادونيس، ومسقطين دلالاتها الرمزية على المعمار ومنجزه. (انظر: خالد السلطاني؛ عمارة ومعماريون، بغداد 2009) وها نحن، الآن، مرة أخرى، نرسل لعمارته التحية والتكريم، عبر مقالنا هذا.في اعتقادي (وأظن في اعتقاد كثر من النقاد المعماريين)، ثمة شعور مليء بالحبور العابق بالبهجة، يتولد عند رؤية عمارة اوسكار نيماير بعامة، وعمارة مبانيه الرئيسية في برازيليا بخاصة. وهذا الشعور ينبع من جماليات ا
صبـاح الخيـر،.. أيتهـا العمـارة!
نشر في: 20 سبتمبر, 2011: 07:24 م