محمد عبد الأمير عبد هل تتفقون معي بأننا ننمي ثقافة الاستهلاك ونطورها ونتفنن في ذلك لدرجة باتت ظاهرة اجتماعية واقتصادية في نفس الوقت ؟وإن انتشار الثقافة الاستهلاكية قد أوجد أيديولوجية استهلاك قوامها النظر إلى الاستهلاك كهدف في حد ذاته وربطه بأسلوب الحياة، وبأشكال التميز الاجتماعي، الأمر الذي جعل الناس يتدافعون نحو الاستهلاك بغض النظر عن حاجاتهم الفعلية وهذا ما يشكل ظاهرة لها مخاطرها الاقتصادية والاجتماعية الآن وفي المستقبل.
لقد أصبح الأفراد في ظلِّ أيديولوجيا الاستهلاك أكثر تأثُّرًا بالآخرين وبمتغيرات السوق،ومن ثَمَّ تحولت ذواتهم تحت تأثير الاستهلاك المادي والمعنوي إلى ذوات خاضعة لا تملك من أمرها شيئًا، وصارت الجماعات الاجتماعية تسعى من خلال الاستهلاك إلى تأكيد وضعها الاجتماعي ومكانتها في المجتمع عبر حملات شراء واقتناء تبرز من خلالها مكانة هؤلاء بغض النظر عن قدراتهم المالية على تحمل ذلك.ومن البديهي أن تتأثر الشرائح الاجتماعية بعضها ببعض في نشر هذه الأنماط في عملية تقليد جماعية ، لهذا فإننا في مجتمع يميل لاستهلاك البضائع خاصة وإن السوق العراقي يتناغم مع كافة الشرائح من خلال العرض الكبير للبضائع وبأسعار متفاوتة تلبي طموحات الغني والفقير معا من خلال تعدد المناشئ وتباين الأسعار سواء بالسلع الكمالية أو الضرورية . ويلعب الإعلام دوراً مهماً في بناء ثقافة الاستهلاك لدرجة أن يصل الزحف الاستهلاكي لكي يدفع بأعضاء الطبقات الفقيرة والمتوسطة لكي ينفقوا ما يفوق طاقتهم في مجالات الاستهلاك الكمالي‏,‏ مما أحدث خللا واضحا في ميزانية الأسر‏.‏ ويكفي أن نعرف أن مئات‏ المليارات تصرف سنويا على مكالمات الهاتف المحمول‏,‏ الذي أصبح يستخدم للوجاهة الاجتماعية وليس لتلبية الحاجات الضرورية للاتصال‏.‏وأيضا هذا الاستهلاك ترك أكداسا كبيرة جداً في كل بيت من بضائع باتت قديمة بحكم شراء واقتناء غيرها كالمبردات وأثاث البيت .وهذا مثال بارز على السفه الاستهلاكي الذي تغذيه الشركات الكبرى حتى يعتقد الناس أن الحاجات الكمالية أصبحت حاجات ضرورية‏,‏ وذلك في مجتمع يعجز الآن عن سد الحاجات الضرورية لملايين البشر ، وهذا ما يجعلنا نصل لاستنتاج مفاده أن التسوق الدائم بات ظاهرة شبه يومية أو شهرية للعائلة العراقية خاصة ما يتعلق منه بعمليات تبديل الأثاث وغيره .ومن ثَمَّ، ينبغي وضع شعار ترشيد الاستهلاك موضع العناية الحقيقية، فالناس لا يتجهون للاستهلاك الرشيد، إلا إذا أحس عدد منهم بالرغبة في تغيير أنماط حياتهم وسلوكهم، ولن يحدث هذا في يوم وليلة، كما لن يحدث بمرسوم أو تشريع، وإنما الأمر يتطلب عملية تربوية وتعليمية طويلة الأمد، ولعلَّ هذه العملية تبدأ من مرحلة مبكرة من حياة الإنسان ، يكون هدفها بناء ثقافة مجتمعية قائمة على الأولويات في الشراء، بعيداً عن الشراهة الشرائية التي بدأت تنال من البعض بحكم مواردهم المالية المتحققة سواء من وظائفهم أو أعمالهم الخاصة وغير ذلك.
فضاءات :ترشيد الاستهلاك
نشر في: 20 سبتمبر, 2011: 07:44 م