حازم مبيضين لم تكن الدولة العبرية يوماً خلال العقدين الأخيرين, في مثل حالتها الراهنة, سواء من حيث العجز الدبلوماسي, إذ يدير علاقاتها الخارجية حارس ملهى ليلي سابق, أو من حيث الافتقار لعقليات تتعامل مع المتغيرات المتسارعة بفكر إستراتيجي,
ولعل تحجر عقلية حكام تل أبيب, يمنعهم حتى اليوم من إدراك أن اهتزاز أركان السلام مع مصر, وعدم استقرار سوريا, والفتور في العلاقة مع الأردن, والتصعيد غير المبرر مع تركيا, يضع دولتهم في دائرة الخطر الحقيقي, رغم العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة, وأيضاً رغم القوة العسكرية الضاربة التي تمتلكها, وتهدد بها جيرانها.من المؤكد أن واشنطن ليست راضية تمام الرضا عن الموقف المتعنت لحكومة نتنياهو, لكن المؤكد أيضاً أن للوبي الصهيوني كلمته العليا في عام الانتخابات, وهو يمتلك القدرة على إجبار الإدارة الديمقراطية على تبني مواقف تل أبيب, حتى وإن كانت في غير مصلحة إسرائيل وأميركا في آن معاً, وحتى لو كانت غير أخلاقية من الناحية السياسية, وتتعارض مع الأفكار النبيلة التي بني المجتمع الأميركي على أساسها, وحتى لو كانت " وهنا مكمن الخطورة " تهدد سلام العالم, وإسرائيل التي عجزت بحكومتها الراهنة, عن قراءة المتغيرات في المنطقة بالشكل الصحيح, ابتداءً بسقوط مبارك, أو الانقلاب التركي ضد العلاقات معها, لاتصلح شريكاً للدولة الأعظم في العالم, في رسم سياسات استراتيجية كونية بالتأكيد. يقول الكاتب الصحفي الأميركي الجنسية, واليهودي الديانة, والاسرائيلي الهوى, توماس فريدمان, إن استرتيجية نتنياهو تقوم على عدم القيام بأي فعل تجاه الفلسطينيين أو تركيا يغضب قاعدته الحزبية، ويرفض التنازل عن بعض معتقداته، ويخشى أن يثير عداوة شريكه الرئيسي في الحكم، وزير الخارجية اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان، لكنه لايجد غضاضة في أن يطلب من واشنطن إيقاف برنامج إيران النووي، وإعانة إسرائيل على الخروج من كل مأزق, ويحرص في الوقت نفسه على ألا يطلب منه أوباما أي شيء, كالكف عن بناء المستوطنات مثلاً, فيحشد أعضاء الكونغرس ضده, ليحشره في زاوية ضيقة, ويؤلب عليه القيادات اليهودية, زاعماً أن أوباما معاد لإسرائيل.مر الكثير من السنوات منذ توقيع اتفاق أوسلو, وبذلت جهود دبلوماسية جبارة لإدماج الدولة العبرية في منطقة الشرق الأوسط, لكن كل ذلك بدا كما لو كان قصوراً من الرمال, انهارت فجأة حين تم طرد سفيري إسرائيل من أنقرة والقاهرة، وهروب الموظفين من سفارة إسرائيل في عمان, ويعني ذلك ببساطة أن إسرائيل تواصل عزل نفسها, في ظل قيادات تفتقر إلى دينامية التغيير, وتتعامل بسلبية مطلقة مع التغييرات المفاجئة والمثيرة في المنطقة، في حين تواصل السلطة الفلسطينية بناء مؤسسات الدولة, على الرغم من استمرار عمليات الاستيطان غير الشرعي, ما دفعها في نهاية الأمر إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة لتنال الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهم بذلك يقلبون الطاولة, التي ظل نتنياهو يدعوهم إليها للتفاوض العبثي. لو كان نتنياهو رجل دولة, وليس مجرد مهرج حزبي, لكان قد أعلن خطة للسلام تتجاوز دعواته الجوفاء لمواصلة التفاوض, ولكان قد اعترف علناً بالقرار الأممي, القاضي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران, بدل أن يدفع أتباعه للمطالبة بضم المناطق المحتلة عام 1967, والتلويح باحتلال الأردن, باعتباره أرضاً فلسطينية لابد من ضمها إلى الدولة التوراتية, لكن نتنياهو ليس رجل دولة ولا رجل سلام, وعلى شعبه إدراك ذلك, قبل أن يضع إسرائيل في زاوية العزلة الدولية, ووصمها بأنها دولة مارقة, وعندها ستكون واشنطن رغم كل شيء, مجبرة على التخلي عن طموحات نتنياهو, كي لاتجد نفسها في نفس الزاوية الاسرائيلية.
في الحدث :نتنياهو..الجاهل عدوّ نفسه
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 20 سبتمبر, 2011: 08:19 م