هاشم العقابيانشغلت كثيرا بظاهرة الشعور بالاضطهاد لدى الإنسان العراقي التي تبدو أعراضها واضحة في أدبنا الشعبي خاصة فيما يسمى بالدارمي. وهو لون من ألوان الشعر الغنائي تعود جذور تسميته الى أيام السومريين.
واكثر ما شغلني به هو تلك القدرة الهائلة على التفنن في رسم صور للآلام والأحزان والبكاء عجزت وتعجز عن الوصول اليها اشد الافلام الهندية هندية. عشرات، لا بل مئات، من الدارميات تتغنى في وصف المصائب والكوارث التي تصب على رأس من يقول أو تقول ذلك اللون من الشعر، الذي بدأ شفاهيا وتخصصت به النساء قبل الرجال لذلك سمي ايضا بـ "شعر النساء" أو "غزل البنات". ولأنه لا يتسع المجال هنا لذكر كل النماذج التي تجسد تلك الظاهرة، لذا سأقف عند ثلاثة منها كمثال.واحد من تلك الدارميات، الذي غناه بعذوبة الراحل الكبير رياض أحمد، يقول:مالك شغل وياي كف عني يالبيـنناكه بجبل ظليت وذيابه الفيـــنوفي اغنية اخرى يئن رياض:تنشدني عن الحال؟ حالي اعله حالهسمجه وشحيح الماي وبظهري فالـهاما هذه الشاعرة، فلا ادري من أين أتت بهذا الوصف لحالها:غبره ويتيمة تعيش عد مرة ابوهاومصوته بين الناس حامل لكوهاالهي، احتاج الى عونك لأعبر عن مشاعري في وصف حال فتاة يتيمة الأم ينقصها الجمال، وتعيش عند زوجة ابيها التي لا ترحم. ثم تكتشف زوجة الاب القاسية أن تلك الفتاة حبلى، فتلف بها الشوارع لتشهر بها بين الناس. قد تقولون مبالغة. اليس كذلك؟ بصراحة كنت حتى البارحة اظن كذلك. لكن المجزرة التي حدثت في سجن البلديات جعلتني اتراجع عن ظني. صورة: شباب مسجونون في سجن بائس يفتقر الى ابسط مقومات احترام الإنسان. فيهم من تمت تبرئتهم قبل اسبوعين. ولأنهم لا يمتلكون ثمن الرشوة، التي طلب منهم دفعها مقابل اطلاق سراحهم، ظلوا بالسجن فاحترقوا. وقبيل الفجر يشب حريق سببه تماس كهربائي. (تصوروا ان الناس تتحسر على الكهرباء لكنها في السجن فائضة عن الحاجة لحد انها فاضت وأحرقت من حولها). يصرخ المسجونون مطالبين بفتح الباب كي يجدوا ملاذا من النار، لكن السجانين لا يعرفون اين المفاتيح. ثم تتدخل السماء ليكتشف المتبقون منهم على قيد الحياة، فتحة ليفروا منها طلبا للنجاة. لكن قوات الطوارئ "الباسلة" تلقتهم بالرصاص.أنا على يقين الآن بأنه لو قدر لهؤلاء المظلومين الذين حرقوا بالسجن ان يقولوا شعرا، فان ما سيقولونه لا تستطيع صاحبة دارمي "الناكة" ولا "السمجة" ولا "اليتيمة" ان تقوله .عذرا يا نساء الدارمي ان كنت قد ظننت بان ما جاء في اشعاركن ضرب من ضروب المبالغة أو الوهم. فما نراه بالعراق اليوم من مصائب في زمن "الديمقراطية" وزمن "دولة القانون" يفوق خيالكن بكثير. حقا ان بعض الظن اثم.
سلاما ياعراق : عن مجزرة السجن
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 20 سبتمبر, 2011: 08:42 م