ليث عبد الكريم الربيعيكثيرة هي الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن ونحن بصدد السينما العراقية بين عهدين، عهد البعث المقبور وأصنامه السود والتغييرات الدراماتيكية ما بعد ذلك، وهل كان في العراق سينما قبل سقوط نظام البعث؟
وهل كان بمقدور السينمائيين العراقيين داخل العراق أن ينتجوا أعمالا سينمائية معبرة عنهم؟ وإذا كان الجواب نعم فلماذا لم تنتج أية أعمال، وهل قدمت بعد ذلك أفلاما كان العراق حاضرا فيها برفقة سينماه (الجديدة) وكذلك مدى إمكانية أن تطرح تلك السينما ذلك السؤال المحير والمقلق عن واقع العراق ومستقبله وماذا يريد سينمائيو العراق أن يقدموا عبر أفلامهم التي يمكن أن تعتبر بداية جديدة ومغايرة تماما للسينما التي كانت زمن حكم البعث؟ والأهم هنا في قائمة الأسئلة: ماذا يريد المشاهد أن يرى من سينمائيي العراق؟وقبل الشروع بالإجابة عن كل هذه الأسئلة لابد من الاعتراف بنقطتين مهمتين ،وقد أثرناهما قبلا وفي مقالات مشابهة وهما:-الأولى: إننا كنقاد وصحفيين ومخرجين ومشاهدين شغوفون لرؤية سينما عراقية.والثانية: إن جلّ ما قدم ويقدم من أعمال- نخبوية- تعد للعرض لمرة واحدة لا من اجل العيش والتأثير بالمشاهد ،لذلك دائما ما يكون تأثير الفيلم – العربي ككل- تأثيراً طفيفا استهلاكيا ينسى ما أن علمت نهايته.سينما الحريةوالآن لندخل إلى صلب الحديث ،فالعراقيون أنفسهم يعرفون كم الظلم والحيف الذي لحقهم ولحق مجتمعهم بكل طبقاته في ظل نظام فاشي اعتاد الدمار والخراب لكل ما تقع عليه عيناه و كانت السينما الأولى في مجال الثقافة، بعدما طفق يمول أفلاما تمجد بطولاته الكرتونية ومغامراته الطفولية، خرب فيها ذوق وذائقة الجماهير، وكان السينمائي العراقي أمام أمرين إما الانصياع لنزوات القائد الضرورة المريضة أو الهروب من المواجهة في ليلة ظلماء.فشهدت الفترة الممتدة من عام 1991 ولغاية عام 2003،نضوبا شاملا للسينما العراقية، بفعل السياسة العقيمة للنظام المباد وزبانيته الحاكمة، والتي أسفرت عن غياب كامل للسينما العراقية والسينمائيين الذين التجأوا هاربين إلى دول العالم في محاولة لتقديم نتاجاتهم السينمائية، وهي محاولات لم يكتب لأغلبها النجاح، إلا إنها كانت خير عون للسينما العراقية الجديدة التي نهضت من ركام الحرب ومن بين أنقاض دمار مؤسسة السينما العراقية، فجاءت الأفلام العراقية الجديدة طموحة، فارضة نفسها بقوة على ساحة السينما العربية والعالمية، كما شاهدنا في بينالي السينما العربية المنعقد في باريس عام 2005،حيث حَظيَتْ السينما العراقية باهتمام خاص، كان الأول من نوعه من خلال تقديم "لقطة مكبّرة"عنها تضمنت عرض (18) فيلماً عراقياً ينحصر إخراجها بين الأعوام 1948 و2004. كما خصصت اللجنة المُنظمة للمهرجان ندوة خاصة عن السينما العراقية، فضلا عن الفعاليات والأنشطة الثقافية الأخرى التي أُقيمت على هامش المهرجان. وهذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها السينمائيون العراقيون من الداخل والخارج ليتحدثوا عن هواجسهم السينمائية، وهمومهم الثقافية الأخرى بحرية ومن دون رقيب.في هذا الإطار قدم المخرج العراقي الشاب (محمد الدراجي) تجربتين روائيتين طويلتين الأولى كانت فيلم (أحلام: 2005) والثانية فيلم (ابن بابل: 2010)،فضلا عن تجربته التسجيلية في فيلم (حرب، حب، رب وجنون: 2009).rnأحلام ..محمد الدراجي!في عام 2004 عاد محمد الدراجي من محل إقامته في بريطانيا إلى العراق مع مشروع كبير لإنتاج فيلم روائي عراقي. وكانت هذه الرحلة موضوعا لفيلمه التسجيلي الذي قدمه لاحقا (حرب،حب، رب، جنون:2009)، وكان فيلم (أحلام) الأول من نوعه الذي يصور في بغداد مع بدايات تفجر العنف وحوادث الاختطاف التي بدأت تتصاعد شيئا فشيئا في نهايات عام 2004، فضلا عن ملامح الدمار والخراب التي طالت كل شيء، الأمر الذي أضفى على العمل صعوبة أخرى في محاولة استرجاع لحياة الطبيعية للمدينة وإيمانها بالثقافة والفن.محمد الدراجي حقق معظم ما كان يسعى إليه، فيلم "أحلام" لا يحمل فقط قيمة فنية ممتازة، هو يتجه إلى أن يكون وثيقة عراقية خالصة، حساسة، إنسانية وملهمة عن بعض من تاريخ العراق الحديث.rnابن بابل.. التجربة الثانية!ينتمي فيلم (ابن بابل) إلى ما يسمى بـ(سينما الطريق) التي يلتقي فيها بطل الفيلم مجموعة من الشخصيات التي تجسد الواقع المعيش بكل حيثياته واختلافاته، وهي تنم عن فكر معمق يقدم مجموعة غير متجانسة من الشخصيات في أمكنة وأزمنة متفاوتة، والمخرج (محمد الدراجي) يمتلك حسا سينمائيا عاليا جديرا بكبار المخرجين، ويفكر أولا في الصورة وتشكيليتها وطبيعة اشتغالها لتصبح كلا واحدا ينتظم فيه جميع العناصر السينمائية.وتدور أحداث الفيلم في رحلةٍ لاكتشاف آثار ثلاثين عاماً من الدكتاتورية والحرب والاحتلال بحثاً عن السلام في عالمٍ من الحرب والحب والجنون الذي ما زال يمزّق البلاد.واعتمد فيه المخرج على الوصف الدقيق للمكان أولا وكذلك لشخصياته الرئيسة ثانيا، وذلك لخلق علاقة وثيقة بالكاميرا بين الشخصيات والمكان، وكان لاستخدام الموسيقى المتنوعة التي تناسب الأجواء
الافلام الـعراقـيـة بـين عهـديـن.. المخرج محمد الدراجي أنموذجاً
نشر في: 21 سبتمبر, 2011: 07:26 م