TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الكاتب و"القضية"

الكاتب و"القضية"

نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 07:44 م

سئلت في احدى الأماسي عما اذا كانت لدي "قضية" ككاتب. أجبت بالنفي. والسؤال ليس غريبا، فمن المعروف أن هناك كثيرين يرون وجوب ان تكون للكاتب "قضية". ولهذه الكلمة محيط من المعنى في الأدب أو الفكر الآيديولوجي السائد.
 ذات يوم رد علي كاتب سياسي متسائلا عن "شخصي": من هو هذا الذي ليس شيوعيا ولا بعثيا ولا اسلاميا ولا له في السياسة شروى نقير؟ الكاتب بعيون ذلك السياسي يجب أن تكون له واحدة من هذه "القضايا" أو الخانات او الاتجاهات السياسية حتى يكون "موجودا" وبالتالي يُرى. فليس شخصا ولا كائنا مَنْ لا يكون معدودا على حزب او اتجاه سياسي أو قضية. أو ربما يمكن وجود شخص "عادي" مثل هذا ولكن ليس شخصا كاتبا. الأخير هو فقط القلم أو "الكيبورد" صاحب "القضية".
 وهذه غير "القضية" في رواية كافكا، التي لشدة ما هي عويصة، لم يستطع آينشتين إكمال قراءتها قائلا انه لم يتصور العقل البشري على هذه الدرجة من التعقيد! وتلك "القضية" التي لم يقارش معها أكبر عقل علمي في التاريخ، ليست "القضية" التي كان يكتب لها أو من أجلها كافكا. أعني ليست دافعه للكتابة. كتب في يومياته مرة "كل ما كتبته كان بسببك يا أبي". كان كافكا الطفل بكَّاءً، وذات يوم حمله والده ووضعه عند حافة نافذة الشقة الواقعة في احد الطوابق العليا، حتى يخاف ويكف عن البكاء. وكان ذلك الحادث أحد اللبنات التي سيبني منها المؤلف عالمه الكابوسي الذي مهده له والده الحباب.
وقصة برناردشو مع دافع الكتابة مشهورة. سأله يوما زميل في الكار لماذا تكتب، فأجابه من أجل المال. الزميل تبسم وقال: أنا أكتب من أجل الشرف. فقال له برناردشو: كل يكتب من أجل ما ينقصه.
وفي مرحلة من عمري كنت أُكثر من استخدام تعبير على الإطلاق. مع التقدم في السن طلقته بالثلاثة. فكلما كبر المرء قل يقينه وزاد شكه. ولكني اعود الى استخدامه اليوم قائلا: لا يوجد كاتب حقيقي على الاطلاق صاحب قضية. الذي عنده قضية هو "المناضل". وقد يصادف ان يكون المرء كاتبا ومناضلا. ولكن الشغلتين ليستا أمرا واحدا. ومتى توحدتا خرجت الكتابة من أصلها وفصلها الى أصل وفصل آخرين. ان دوافع الكتَّاب شخصية. بمعنى ان هناك "ضرورة داخلية"ما، تتشكل عند الكاتب على نحو ما، وتملي عليه هذه الحرفة. ولكن هناك وظيفة عامة تترتب على الكتابة، أو على المثقف، وهي تنمية حرية البشر ومعرفتهم. هذه الوظيفة نتيجة وليست سببا أو دافعا للكتابة.
 وبرأي رينان فان براعة الكاتب لا تخرج من التزامه قضية، وانما تنبثق من امتلاكه فلسفة مع وجوب اخفاء هذه الفلسفة أيضا، "فيرى الناس الجداول التي تخرج من الجنة، ولكن لا الينابيع التي تتفجر منها، ويسمعون الأنغام، من غير أن يروا آلة الطرب التي تعزفها". وبفلسفة أو من دونها  فإن "ما لا شك فيه "هو حق القارىء في الحصول على فائدة ومتعة من الكاتب.
أما نصرة "القضايا" العادلة فهي واجب انساني. والمفروض على الكل بمن فيهم الكاتب أن يؤديه حسب طريقته وقدرته. ولكن المؤسف أنه كلما ظهرت عندنا قضية عادلة تطوع لها أسوأ الجند. والشاهد على ذلك فلسطين وهي "أم القضايا" العربية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ا.د.عبدالكاظم ماجود

    الاستاذ العزيز كم انا سعيدلعودة صفحة المدى بامكانية اتاحتها الفرصةلنا ان نتابع متعتنا وارواء عطشنا الثقافي من اّرائكم وثقافتكم العاليه.انا اشاركك الراي تمامافي ان المثقف , والكاتب هو مثقف بالضرورةوقضيته هي القضية الجمعيه للغلابه المطحونين بالتفرد والخرافة

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram