سليمة قاسميطلق تعبير الأغلبية الصامتة على شريحة واسعة من الجماهير ممن لاتعبر عن آرائها علنا، وليس لتلك الشريحة دور يذكر في صنع الاحداث، ليس لأنها تميل للكسل والخمول ولكنها تفضل الترقب للحراك السياسي الذي يحدث، كي يأتي حراكها السياسي مدروسا.
وتختلف الأسباب التي دفعت تلك الشريحة إلى اختيار الصمت طبقا لظروفها، فقد يكون الصمت لمصلحة آنية، لحصولها على مكتسبات معينة أو إيمانا منها بعدم قدرتها على تغيير الوضع العام، أو خوفا من بطش الفئة الحاكمة وهم الأكثرية. أما في العراق فشعار الأغلبية الصامتة هو (شعليّه) أي ما دام الأمر لايعنيها فالصمت هو حليفها الدائم، هذا الشعار لم تتخذه مخيّرة بل أجبرتها عليه عقود طوال من البطش والقسوة أوصلتها إلى قناعة أن الصمت هو سبيل النجاة، مضافا إليها فعل الحروب المتتالية والحصار الاقتصادي الذي أدى إلى تدني مستوى الوعي لدى الكثيرين وبالتالي عدم قدرتهم على تمييزما يحدث على الساحة السياسية. الأغلبية الصامتة عندنا لايتذكرها احد عدا موسم الانتخابات حين يتحرك المرشحون لخطب ود تلك الأغلبية،وقد ينساق الكثير منهم وراء تلك الشعارات ويسقطون في فخ الإغراءات التي يقدمونها لهم، فتأتي اختياراتهم عشوائية كنتيجة طبيعية لعدم وضوح الرؤية عندهم. ومن الملاحظ أن الأغلبية الصامتة في العراق كانت تميل بشدة لصالح الأحزاب الدينية التي طرحت شعارات وبرامج رأى فيها الكثيرون تطابقا مع إرادتهم العامة، لكنها اكتشفت بمرور الأيام أن تلك الأحزاب غير قادرة على تحقيق ما تصبو إليه. وفي الوقت الذي خسرت فيه تلك الأحزاب الدينية من رصيدها الكثير لم تنجح الأحزاب العلمانية في ضمها لصفها بسبب عدم قدرتها على جذب المعارضين ببرامج واضحة وجبهة موحدة فظل هؤلاء يراوحون في المنتصف فلا يؤيدون تلك ولا يعارضون هذه، فأصبحوا أغلبية صامتة رغما عنهم. ورغم أن رياح التغيير ضربت العراق قبل غيره من الدول العربية إلا أنها كانت رياحاً مصنعة وبفعل قوى خارجية لم يكن للأغلبية الصامتة فيها دور يذكر.أما التظاهرات التي اندلعت في ساحة التحرير منذ الخامس والعشرين من شباط الماضي، بتأثير رياح التغيير التي هبت على العالم العربي، فقد اقتصرت على فئة محددة من المتنورين وتكاد تكون نخبوية انضم إليها أعداد من العاطلين والمتضررين الذين لم يطالبوا بإسقاط النظام بل بإصلاحه بعد ثماني سنوات من التغيير حيث فشلت النخب الحاكمة في إقامة نظام ديمقراطي تعددي والنهوض بوضع البلد رغم كل الوعود التي قطعتها في توفير الأمن والأمان وتحسين الخدمات ومحاسبة المفسدين.وتعتقد الحكومة مخطئة أن الآلية التي جاءت بها إلى سدة الحكم تعطيها حصانة ضد الأصوات التي ارتفعت مطالبة بالتغيير ونسيت أو تناست أن الشعب صاحب الكلمة الأخيرة، وان تلك الأصوات هي التي أوصلتها إلى ما هي عليه الآن، وان حجرا صغيرا يكفي لتحريك المياه في البركة الساكنة. هذه التظاهرات لن تغير الكثير في حال عدم قدرتها على كسب تأييد الأغلبية الصامتة. وسيظل تأثيرها محدودا مثل قطرات الماء التي تغير من تضاريس الجبل ولكن بعد ردح من الزمن. فالأزمة الخانقة التي يشهدها الوضع السياسي والتي تمثلت في اشتداد حدة الصراع بين الكتل السياسية ومحاولات الانفراد بالسلطة وهشاشة الوضع الحكومي واستشراء الفساد والبطالة والجريمة المنظمة يتطلب تخلي الأغلبية الصامتة عن سلبيتها ووقوفها على الحياد، فهي المتضرر الأكبر مما يحدث وتستطيع أن تغير الكثير وتشكل قوة ضغط رئيسية من اجل تصحيح مسار الحكومة قبل فوات الأوان. فالصمت خيار الضعفاء والسكوت يصنع الطغاة.
الأغلبية الصامتة وتظاهرات ساحة التحرير
نشر في: 23 سبتمبر, 2011: 08:23 م