اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > الملاحق > الطبقة الوسطى فـي العراق بين التهميش وردّ الاعتبار

الطبقة الوسطى فـي العراق بين التهميش وردّ الاعتبار

نشر في: 23 سبتمبر, 2011: 08:29 م

د. ناجح العبيدي* مر العراق في السنوات الأخيرة بتحولات اقتصادية واجتماعية عميقة أدت إلى اتساع صفوف الطبقة الوسطى، ولكن هذه الطبقة لا تزال أبعد ما تكون عن أداء دورها المطلوب في المساهمة في إرساء الاستقرار ودعم التحول الديمقراطي.
أعادت ثورات الربيع العربي إلى الواجهة دور الطبقة الوسطى في تحديث المجتمعات العربية وخروجها من مأزق الأنظمة الشمولية والتشدد الديني. وعلى الرغم من أن القوى الحاكمة في بغداد اتخذت موقفا متحفظا، بل ورافض إزاء رياح التغيير التي هبت على العالم العربي، إلا أن العراق لن يبقى بمنأى عن هذه التحولات العاصفة والتي تطرح بقوة الدور الحالي والمتوقع للفئات الاجتماعية المختلفة. ويراهن الكثير من الخبراء ومن بينهم الخبير الأمريكي من أصل إيراني ولي نصر والذي يعمل كمستشار للرئيس الأمريكي باراك أوباما على الطبقة الوسطى كمحرك للتغيير المنشود في الشرق الأوسط ولربط اقتصاديات بلدانه بالاقتصاد العالمي. في المقابل، هناك آراء متشائمة عبّر عنها على سبيل المثال الشاعر أدونيس الذي يقلل من أهمية مفهوم الطبقات في دراسة المجتمعات الإسلامية بسبب تمسّك جميع الفئات بالإيمان الديني وعدم تبينها مبدأ فصل الدين عن الدولة. غير أن هذا الرأي ينطلق من تقييم آني يعكس مخاوف الحاضر ولا يأخذ التطورات المحتملة بنظر الاعتبار. ويرى كثيرون أن انحسار الطبقة الوسطى كان سبباً رئيسا لانتشار الأفكار والتيارات الشمولية والمتطرفة في معظم المجتمعات العربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد شهدت هذه الفترة في العراق تغييرات كثيرة في التركيبة الاجتماعية انعكست في تنامي دور فئات وطبقات معينة على حساب أخرى. ومن دون شك فإن هذه التأثيرات جاءت نتيجة للسياسات الحكومية وكذلك للأحداث الجسام التي مر بها البلاد من انقلابات وحروب وحصار وصراعات سياسية وقومية ومذهبية، هذا بالإضافة إلى الانفجار السكاني وظاهرة الهجرة. ومن الملفت للنظر أن هذه التحولات كثيرا ما تتخذ أشكالا حادة وعنيفة يصعب تفسير أسبابها كما ظهرت مثلا في الفوضى التي رافقت عملية الإطاحة بالنظام الدكتاتوري وما بعدها. غير أن فهم الدور المستقبلي للطبقة الوسطى في العراق يتطلب أيضا تحليل الأسباب التي أدت الى ضعف هذا الدور وتأثير ذلك على التطورات الحالية. من هي الطبقة الوسطى؟ يصعب حاليا تحديد حجم الطبقة الوسطى في العراق نظرا لعدم توفر بيانات موثوق فيها عن توزيع الدخل إضافة الى التغييرات السريعة الجارية في العراق. كما لا يوجد تعريف موحد للطبقة الوسطى. فهي توصف عادة بأنها الشريحة التي تقع من حيث الدخل والملكية بين الطبقة الغنية والفقيرة. ولكن مثل هذا التعريف يتسم بالعمومية و يفتقر للمعيار الكمي. ولذا تستعين الكثير من معاهد الأبحاث الاقتصادية بمستوى دخل الأسرة كمعيار لتحديد الانتماء للطبقة الوسطي. وهي تستند في ذلك الى ما يسمى بالدخل الوسيط وهو مؤشر إحصائي يمثل النقطة الفاصلة بين النصف الأعلى (الأغنى) وبين النصف الأقل (الأفقر) في المجتمع. ففي الاتحاد الأوروبي مثلا يعتبر كل من يحصل على دخل صاف يتراوح بين 70 إلى 150 في المئة، من هذا الدخل المتوسط جزءا من الطبقة الوسطى. ويمكن للمعاهد العراقية المتخصصة اعتماد مثل هذه المؤشر لتحديد الوزن الكمي للطبقة الوسطى. وبشكل عام فإن الطبقة الوسطى تضم صغار أرباب العمل والتجار والحرفيين وأصحاب المهن الحرة والمثقفين والأكاديميين ومدراء الشركات وموظفي الدولة وغيرهم. وهي توصف عادة بأنها الطبقة الميسورة اقتصاديا والمستنيرة عقليا، إذ أنها لا تتميز بدخلها المرتفع فحسب وإنما أيضا باهتماماتها بالتعليم والتأهيل والثقافة والفن وغيرها. بيد أن هذه الصفة لا تأتي تلقائيا وإنما تعتمد جملة من الظروف. تهميش وإضعافشهدت العقود الأخيرة من تاريخ العراق تراجعاً مستمرا في دور الطبقة الوسطى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا نتيجة عوامل متعددة، من بينها العامل الديموغرافي. فالعراق لا يزال يسجل نموا سريعا للسكان يزيد على ثلاثة في المئة سنويا ،ويعتبر من أعلى المعدلات في العالم. ويلاحظ أن هذا النمو يختلف من فئة الى أخرى، إذ توجد عادة علاقة بين الفقر ومعدل نمو السكان في ظاهرة تشمل معظم بلدان العالم. وهذا يعني أن الانفجار السكاني يتركز بالدرجة الأولى في الفئات الفقيرة والمعدمة والتي تشعر بالغبن والتمييز وتشكل عادة أرضية خصبة لانتشار التطرف والراديكالية بكل أشكالها. وبطبيعة الحال فإن نمو السكان السريع يأتي على حساب النسبة العددية للطبقة الوسطى. كما كان للسياسات الاقتصادية المعتمدة منذ بداية الستينات دور حاسم في إضعاف الطبقة الوسطي. فقد أدت إجراءات التأميم والمصادرة باسم الاشتراكية الى القضاء على الاساس الاقتصادي للفئات الوسطى وترسيخ هيمنة الدولة الشمولية مقابل تلاشي المجتمع المدني. وفي نفس الوقت انتشرت الإيديولوجيات التي تمجد"الطبقات الكادحة" وتستهزئ بـ" البرجوازية الصغيرة" وتحارب القطاع الخاص وتستهين بدور المبادرة الخاصة والمهن الحرة في عملية التنمية. وتحول هذا التوجه الى نهج ثابت في فترة السبعينات مع تأميم النفط والقفزات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة
الملاحق

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة

  دمشق / BBCبعد أيام من سقوط القذائف السورية عبر الحدود إلى تركيا، ما يزال التوتر وأعمال القتل، تتصاعد على جانبي الحدود، في وقت أعلن فيه مقاتلو المعارضة قرب السيطرة على معسكر للجيش النظامي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram