د. مهدي صالح دوّايتمارس العملات الوطنية للدول أدواراً اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية بالغة الآثار والنتائج ، باعتبار تلك العملات مرايا عاكسة للأداء الاقتصادي بأنشطته المختلفة ، بل إن انتكاسات العملة قد تمس سيادة البلد عندما تلجأ البلدان الى إجراءات نقدية ومالية غير مدروسة لإنقاذها . وعلى مدى العقود الأربعة الماضية عبّر الدينار العراقي عن زئبقيته المتأرجحة اتجاه المتغيرات السياسية والاقتصادية التي عاشها العراق ، وبالنتيجة أصبح إنعاش الدينار العراق مسألة وطنية واختبار حقيقي للسلطتين التشريعية والتنفيذية نحو هذا الهدف الاستراتيجي.
فقد اعتمد البنك المركزي العراقي نمط ( سعر الصرف الثابت ) خلال عقدي السبعينات والثمانينات ، فكان الدينار يعادل( 3,33 دولار ) ، إلا أن ظروفاً سياسية واقتصادية غير مواتية شهدها عقد التسعينات ،قد أدت إلى انهيار قيمة العملة العراقية بشكل غير مسبوق ، مما قاد الى اعتماد نمط ( سعر الصرف العائم) ، أي ترك قوى العرض والطلب هي المحددة لقيمة الدينار العراقي ، ومنذ العام 2004 لوحظ استقراراً في قيمة الدينار العراقي تجاه الدولار ( 1500 دينار لكل دولار)، واستمر التحسن وصولاً الى 1200 دينار للدولار الواحد ، في ظل اعتماد ما يعرف ( بسعر الصرف المدار ) وهو نمط يأخذ من سمات كلا النمطين السابق ذكرهما ، فالبنك المركزي قد احكم السيطرة على تقلبات الدينار العراقي في ظل بعض الانفراجات السياسية والاقتصادية لما بعد 2007 .وفي إعلانه التفاؤلي ، بيّن البنك المركزي العراقي أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي ارتفعت الى نحو 58 مليار دولار ، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع بفضل زيادة الإيرادات النفطية ، وهذا ما يشكل معياراً مهماً للبنك المركزي باتجاه اعتماد نمط ايجابي في تحديد سعر صرف الدينار العراقي اتجاه العملات الأجنبية،لاسيما مع إمكانية زيادة صادرات النفط العراقية ، بعد انجاز جولات من التراخيص النفطية ، وإمكانية تشريع قانون النفط والغاز ، إضافة الى إطلاق البنك المركزي مشروع حذف الاصفار الثلاثة ، بما يعزز من القيمة الاعتبارية للدينار العراقي بعدما تجاوزت كتلته النقدية الـ ( 25) تريليون دينار . وما يمكن التأكيد عليه بهذا الخصوص ، أن الدينار العراقي في ظل أحادية الاقتصاد العراقي المرتكز على الصناعة الاستخراجية ، سيبقى رهناً بالعديد من المتغيرات وتحديدا الخارجية منها ، فالفرص مواتية في المدى المنظور لتحقيق المزيد من التفاؤل في ظل سياسات نقدية ومالية وتجارية داعمة لتنويع مصادر الدخل ، وجاذبة لرؤوس الأموال العراقية والعربية والأجنبية للاستثمار في العراق ، تدعمها بنى تحتية متكاملة ، وإرادة سياسية راعية لتلك الأنشطة الاقتصادية بمزيد من التحسن الأمني وإنضاج التشريعات المحفزة للاستثمار، وبهذا التضافر الرسمي والمجتمعي سيمثل الدينار العراقي المؤشر الحقيقي للمرور نحو آفاق التطوّر والعالمية.
فضاءات: المرآة العاكسة
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 23 سبتمبر, 2011: 08:29 م