د. كريم عبد الحسين الربيعي عندما يتحدث أي شخص عن اللغة العربية يُخرج لسانه ويبدأ يتملق في حديثه، فيظهر أهمية هذه اللغة وأنها لغة القرآن الكريم ولغة العرب الأسلاف الأماجد التي لم تضق يوما للتعبير عن متطلبات أبنائها ووسعت كتاب الله، وأما إن كان المتحدث من أهل العراق فسيزيد على ذلك بفخره بأهل البصرة والكوفة الذين كان لهم السبق بوضع القوانين اللغوية من أجل أن يعصموا ألسنة الناس من الخطأ وتنقية اللغة من شوائب العجمة والرطانة التي استشرت فيها يوم ذاك.
ولكن الواقع غير ذلك فنجد (المتحدث المتملق) في حقيقته لا يحترم اللغة فضلا عن نفوره منها ولا يلتزمها في كتابته وتراه يضرب بها عرض الجدار فيخترق قوانينها في كل سطر يكتبه ولا يكلف نفسه فهم اللغة وفهم نواميسها، بل في أحيان كثيرة يعمل على طمسها وتشويهها بقصد أو من غير قصد. باختصار: صدر أخيراً قانون وزارة التربية (الجديد) الذي أقرته أربع جهات: 1- (الخبراء) الذين سنوا فقراته2- معالي وزير التربية3- البرلمان العراقي الذي أعلن موافقته4- إقرار هيئة الرئاسة لهوما أن ظهر حتى أظهر المسؤولون والمعنيون ومن له أدنى علاقة بهذا القانون اعتراضات كثيرة، ولعل أهم ما ظهر في هذا القانون هو دمج (معهد تطوير تدريس اللغة العربية) مع مديريتين، فصار قسما صغيراً ضمن (معهد التدريب والتطوير). وفي قابلة ذلك وجدنا أن القانون استحدث مديريات مستقلة للغات في أقل تقدير هي لغات تأتي في الدرجة الثانية بعد العربية التي تؤلف مساحة كبيرة من الناطقين بها من أهل العراق!!! فهل من الصحيح أن تكون للغة الكردية أو غيرها من اللغات التي جاءت في القانون كاللغة الكلدانية واللغات الأجنبية الأخرى ولا تكون للغة العربية مديرية مستقلة؟لقد كنا نرجو أن تنهض وزارة التربية بمعهد (تطوير تدريس اللغة العربية) لترتقي به حتى يصبح (كلية اللغة العربية) على غرار ما موجود في بلاد الشقيقة العربية مصر، أو على مثال المعاهد المثيلة الموجودة في البلاد العربية كالسعودية وبلاد السودان وغيرها، ولا سيما بعدما قدم هذا المعهد من الانجازات الشيء الكثير على مستوى إقامة الدورات للمدرسين والمعلمين وموظفي الدولة، ويبدو أن الوزارة وخبراءها لم يكلفوا أنفسهم باستقراء هذه الأمور أو أن يتحسسوا أهميته ولم يعرفوا قيمة اللغة العربية، كما أنهم لا يعرفون أن الجمعية الوطنية والدستور الذي انبثق عنها ينص على أن اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية الأولى والكردية هي الثانية. نحن هنا لا نلوم هيئة الرئاسة ولا البرلمان العراقي ولا معالي الوزير، بل نلوم الذين سنوا هذا القانون، ولا نعرف ما مبلغ علمهم، وكيف ينظرون إلى اللغة العربية، ومن يدعي أنه انطلق من مبدأ (الترشيق) في هذا القانون فعليه أن يطبقه على كل المديريات ما عدا هذه المؤسسة المهمة التي تدل على ذوق أهلها وحبهم واحترامهم للغتهم حين جعلوها في دائرة كيان مستقل يعنى بشؤونها ولكنهم خرموا هذا التقدير بقانونهم (الجديد). لقد كان هذا القانون غير موفق (ذوقيا ومهنيا)، فلا الذوق يرتضي أن نغمط حق اللغة العربية ونتجاهل أهلها كما فعل المسؤولون على كل المستويات، كما أن الجانب المهني ستظهر نتائجه في المدى القريب فلن يكون لمعهد تطوير تدريس اللغة العربية بعد اليوم وبعد (دمجه) أي دور يذكر، فستحد نشاطاته وتتقلص مهامه، ولن يكون على ما كان عليه في ماضيه البعيد ولا القريب، فهل يلتفت المسؤولون (العرب) ووزارة التربية إلى هذا الخلل؟
قانون وزارة التربية (الجديد) واللغة العربية
نشر في: 24 سبتمبر, 2011: 07:35 م