عبد الخالق كيطان خبر نهاية الأسبوع الماضي اللافت كان يحمل عنوان: تفجير عدد من البيوت على رؤوس ساكنيها في بغداد. قارئ الخبر سيصاب بالحيرة، فالخبر لا ينقل تبنّي أيّ جهة لهذه الجريمة، والصور التي رافقت الخبر تلفزيونياً ترينا ما يشبه مجزرة، حيث لطّخ الدّم العبيط جدران وبوابات منازل يبدو عليها التواضع ما يكشف أن العوائل المستهدفة لم تكن من طبقة الأثرياء، على سبيل المثال، لكي يسرح بنا التحليل جهة الجريمة الجنائية.
ما حصل لا علاقة له بالجريمة الجنائية لأسباب كثيرة، أولها تجاور البيوت المستهدفة، وأيضاً المستوى الطبقي الذي أظهرته الصورة التلفزيونية للعوائل المستهدفة، ما ينفي احتمال أن يكون المجرمون أرادوا سرقة الضحايا. فمن الذي نفّذ هذه الجريمة المروعة؟ والقاعدة الجنائية تقول: تكثر الجريمة حيث تغيب سلطة الدولة. ولنتفق على سبيل الافتراض إن الجريمة التي حدثت في الغزالية هي جريمة جنائية، ولذلك فهي تؤشر غياب الدولة. كيف؟ لأن الدولة تنشر في كل حي سكني وفي كل شارع آلياتها العسكرية وجنودها، تقيم الحواجز ونقاط التفتيش، وتكثر دورياتها المرابطة والمتنقلة... كل هذه الإجراءات، وغيرها كثير، لم تستطع أن تحمي مجموعة من العوائل التي تقيم وسط العاصمة، وليس في صحراء السماوة، فكيف لا نقول بغياب الدولة؟ ومثل هذه الجرائم تحدث في أغلب بلدان العالم. أو لأقل بوضوح أكبر إنها تحصل حتى في الولايات المتحدة. ولكن علينا تذكّر: في الولايات المتحدة لا توجد كل هذه القوات الأمنية في الشوارع والأحياء السكنية... في الولايات المتحدة توجد شرطة يمكن استدعاؤها من اتصال بالهاتف المحمول... هذا هو الفرق بين دولة ودولة. وأعود إلى جريمة الغزالية، وبالطبع لا يمكن استبعاد عوامل كثيرة مسبّبة لمثل هذه الجرائم، ولكن في كلّ الأحوال فهي تكشف عن عقلية متقدمة في الجريمة المنظمّة. فمثل هذه الجرائم تتطلب تخطيطاً وحسابات دقيقة كي تنفّذ على طريقة الجريمة الكاملة، ثم الانسحاب من المسرح بهدوء. واستمرار مثل هذه الجرائم يقود إلى استنتاج لا يصبّ في صالح الدولة، بل العكس، وهو انتشار عصابات الجريمة المنظمة في البلاد. ويمكن عدّ عشرات الجرائم التي تنفّذ دون أن تصل الجهات المعنية إلى مرتكبيها، نماذج متقدمة في هذا السياق. والدولة معنية، بل مطالبة بأن تكثّف جهودها من أجل التصدّي لمثل هذه العصابات وإلقاء القبض عليها وتقديمها للعدالة، وبعكس ذلك فإن القول بضعف الدولة سيكون مبرراً. وإذا ما غادرنا فرضية عصابات الجريمة المنظّمة سنجد أنفسنا من جديد بمواجهة الأزمات السياسية التي تقود إلى أزمات أمنية. ومن الممكن الذهاب بالتحليلات في هذا المجال بعيداً فتحضر المصائب التقليدية: تدخّل دول الجوار، التصعيد الطائفي، الحرب الضروس بين الكتل،... إلخ. وكل ذلك يقود من جديد إلى هشاشة الوضع الأمني على العكس من تصريحات قادتنا الأمنيين المستمرة.جريمة الغزالية مدانة بأشدّ العبارات. ومع التعزية الحارّة إلى عوائل الضحايا فإن على أجهزتنا الأمنية تقديم رسائل تطمين إلى أبناء الشعب من خلال الكشف السريع عن الجناة.
عين :على رؤوس ساكنيها
نشر في: 24 سبتمبر, 2011: 08:41 م