عالية طالب كثيرا ما تندر العراقيون المغتربون في البلدان العربية والأوربية حاليا على لفظة "مول " التي دخلت الى الثقافة التسويقية الحاضرة وهم يتذكرون الأسواق المركزية العراقية الضخمة التي تم تشييدها أبان الثمانينيات وكانت تضم مختلف البضائع ذات الأسعار المعقولة تماما والتي كانت تشكل دعما حقيقيا لشرائح الموظفين الذين شملوا حصرا بالانتفاع بها وعبر دفتر صغير
كان يمثل دخلا للعائلة وليس بابا للإنفاق بفعل دعمه التسويقي لكامل متطلبات الاسرة والبيت العراقي من ملابس واغذية واثاث ، وحصة واضحة للطلاب بزيهم الموحد وقرطاسيتهم التي يفعل التسويق التجاري السيئ بها اليوم الأفاعيل , ولم تكن تلك الأسواق كما هو حال المولات العربية اليوم التي تتميز بارتفاع أسعارها دونا عن بقية الأسواق الاخرى ، اذ ان تلك الأسواق لم تكن فكرتها ان تشكل ربحا بقدر ما تكون دعما لشريحة ذات دخل محدود .منبع تندر العراقيين على لفظة المول يأتي من كون العراق قد سبق المنطقة العربية في انشاء مولات في كافة المناطق في العاصمة ومثلها في المحافظات , ثم تأكلن تلك الأسواق بفعل القصف الأميركي وعمليات السلب والنهب بعد 2003 واستمر منظرها يشعرنا بالأسى كلما مررنا بها وتذكرنا زهوها الاقتصادي ودعمها اللوجستي للأسرة العراقية ،ثم عدنا و استبشرنا خيرا حين صرح المسؤولون بأنها ستخضع الى إعادة تأهيل وتشغيل وتعود بأبهى مما كانت، لكن لا هي عادت ولا صدقت التصريحات بل تحولت تلك الأسواق الزاهية الى ثكنات عسكرية ومقرات لمفارز ولا ندري أين ستذهب في اللاحق من الايام فيما لو طالتها " التصريحات " مجددا !! وسيبقى السؤال المحزن الذي وجهه الأبناء للأهل معلقا في الفضاءات العربية : إن كانت أسواقا فلماذا إذن قصفت بوحشية من قبل الطائرات الأميركية وتم تهديمها وتخريبها وما زالت الى اليوم تشوه وجه العراق بطوابقها المحترقة والمنهارة على بعضها ؟لم يستطع الأهل شرح كل الأسباب التي يعرفون بعضها فيما بقي المسكوت عنه أكبر من أن تعلنه الأطراف المتصارعة بسبب نسيان ان علينا ان نعيد بناء العراق بهمة النوايا الامينة لا برغبة الاستحواذ على الاموال والفساد الاداري الذي بدأ يستحكم فينا ليصبح قانونا لا ينقض بسهولة ، بل ترك ليتحرك بحرية الجهات الاربع ، فيأخذ من هنا وهناك دون خوف وخشية لا من مراقبة ولا محاسبة ولا قانون يأخذ سطوته وهيبته بفعل احترام عبارة الدولة المدنية التي تصوغ قوانينها لتنظم حيواتنا دون احساس بالغبن والانكسار وفقدان الثقة بها ،إن علينا أن نعي جيدا ان صدقية وقوة النظام لا تبنى بسهولة وبفعل القوانين الوضعية فقط بل ترسخ في اذهان الجميع بفعل صدقية ما يقوله المسؤول وحقيقة التطبيق التي ننتظر فعلا ان تكون موجودة على ارض الواقع لا على ارض الأحلام والتصريحات المعلنة والمؤجلة!
وقفة :الأسواق المركزية وتصريحات المسؤولين
نشر في: 24 سبتمبر, 2011: 09:04 م