ميعاد الطائي هل ستتمكن الثورات العربية من تجاوز المرحلة الانتقالية التي تعيشها اليوم باتجاه التحول الديمقراطي؟ وما هي الآليات التي ستساهم في تحقيق هذا التحول؟ يمكننا القول بأن الكثير من الأنظمة التي تحكم في المنطقة العربية هي أنظمة دكتاتورية مستبدة سقط البعض منها والآخر ينتظر في ظاهرة جديدة اجتاحت شوارع المدن العربية وهي نهضة الشباب الذي تمكن من خرق أسوار السجن الكبير عبر التكنولوجيا المتطورة التي نجح أولئك الشباب في تسخيرها باتجاه التحرر من السياسات القمعية
التي عانى منها لعقود طويلة وللتخلص من التهميش والتغييب الذي كان يتعرض له ليس الشباب فحسب بل كل مكونات الشعب الأخرى .ولكن السؤال هنا ما هي طبيعة النظم التي ستحل محل الأنظمة الاستبدادية التي سقطت والأخرى التي في طريقها إلى السقوط ؟ الجواب على هذا السؤال تحدده أشياء كثيرة أهمها الآليات التي سيتم من خلالها بناء الدولة الجديدة ونقصد هنا آليات الإصلاح التي تحددها وتتحكم بها القوانين والأنظمة التي يتم اعتمادها في إعادة بناء الدولة والمؤسسات الحكومية ،وفي مقدمة هذه الإصلاحات ( الدستور ) الذي يجب أن يكتب بصورة تتلاءم مع التغييرات الديمقراطية الجديدة التي طرأت على الساحة حيث لابد من اعتماد مواد وقوانين تطلق سراح الحريات المكبلة وتجرد الحكام من القوانين التي كتبوها لتحمي تواجدهم في السلطة وتمكنهم من الاستمرار في المنصب إلى مالا نهاية وتحمي مصالحهم كقانون الطوارئ والمواد الدستورية الخاصة بترشيح رئيس الجمهورية وطبيعة النظم الانتخابية المعتمدة في البلاد .هذا من جانب ومن جانب آخر على القوى السياسية المتواجدة في مرحلة التحول أن تسعى لطرح مفاهيمها الديمقراطية وتعمل على إخراج المجتمع من عقد كثيرة منها: عقدة الخضوع للحاكم وللحزب الواحد والانتقال به الى التعددية الحزبية واتساع مساحة المشاركة السياسية . ويتحتم على هذه القوى وخاصة الليبرالية والعلمانية منها ترسيخ مفاهيم وقيم المواطنة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وحرية الرأي والرأي الآخر والتعايش السلمي وتداول السلطة وأشياء كثيرة غابت عن المنظومة القيمية لفترة ليست بالقصيرة،لذلك يتحمل المثقف والسياسي العربي إعادة تأهيل المجتمع ليستوعب هذه المفاهيم لنتمكن من التمهيد في المرحلة الانتقالية لبناء دولة ديمقراطية لها أساس متين ودعائم قوية بعيدا عن أخطاء الماضي وآلياته القديمة . من هنا ندرك بأن بداية الإصلاحات السياسية يجب أن تكون عبر إصلاح المنظومة القانونية والدستورية ،وهذا ما حصل في مصر حيث تم تعديل بعض المواد الدستورية التي لا تتلاءم مع التغيير الديمقراطي الجديد وطرحت لاستفتاء شعبي منحها الشرعية إلا إننا هنا نريد أن نؤكد حقيقة مهمة وهي أن الدستور كتب لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعوب وهو ليس كتابا منزلا من السماء، لذا يمكن للحكومات والشعوب المطالبة بتعديله أو تغييره بما يتناسب مع تحقيق حياة حرة وكريمة للمواطن الذي يعيش في تلك الدول . وما حصل عبر العقود الماضية هو ان الحاكم الدكتاتور هو الذي قام بالتعديلات التي تخدم مصالحه وتخدم بقائه في السلطة وتمنحه الحق بقمع أي مطالبات بالتحرر من قبضته الفولاذية .حيث سعى لإبقاء قانون الطوارئ على مدى فترة حكمه إضافة إلى تعديلات دستورية فيما يخص شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية وطبيعة النظم الانتخابية بما يتلاءم مع مصالحه الضيقة بعيدا عن مصالح المواطن .خلاصة القول إن التجارب الديمقراطية الجديدة يجب أن تسخر كل طاقاتها من أجل تهيئة الأرضية المناسبة لولادة الديمقراطية من خلال ترسيخ المفاهيم الجديدة لدى المواطن ،وهذه مهمة السياسي والمثقف إضافة إلى منظمات المجتمع المدني والإعلام الوطني الحر الذي لابد له من دور مهم في غرس هذه المفاهيم عبر وسائله المختلفة الحديثة منها والقديمة من أجل أن نؤسس جميعا لأنظمة ديمقراطية ونضمن عدم عودة الدكتاتورية إلى بلداننا مرة أخرى .
الدستور والتحول الديمقراطي
نشر في: 25 سبتمبر, 2011: 07:49 م