TOP

جريدة المدى > الملاحق > وتنتصر ثقافة الحياة

وتنتصر ثقافة الحياة

نشر في: 25 سبتمبر, 2009: 08:25 م

حازم مبيضين اصطبغت شوارع بغداد كافة بلون الفرح الأخضر احتفاءً بالعيد، وسدت حشود الناس التي تخطت المليون منافذها، وهي تتدفق إلى الحدائق والمتنزهات، بحثاً عن لحظة فرح تبتعد بها عن ذكريات سنوات طوال من القهر والحرمان والفوضى والدم والقتل والدمار، كانوا يتدفقون بهدوء حقيقي انتزع من نفوسهم الخوف، وكانوا ينسون جميعاً إلى أي الطوائف ينتمون، وإلى أي القوميات ينتسبون، الكردي يجاور العربي، والسني يتمنى للشيعي عيداً سعيداً،
وهم جميعاً يشعرون بعراقيتهم ويؤمنون من أعماقهم أن كل ما مر بهم ليس من طبيعتهم وأنه يجب أن تطوى تلك الصفحة السوداء في تاريخ العراق دون حقد أو ضغائن.البحث عن الفرح كان العنوان، فالناس في شوق كبير له، والعيد كان فرصة للتعبير، وكل يعبر بأسلوبه، إما راقصاً أو مغنياً، أو لاعباً، أو مشاركاً للآخرين احتفالهم، كانت بغداد بعد أعوام من العنف الأعمى والتدمير المجاني،  شيئاً عصياً على فهم من لايعرفون شعبها، ولا يعرفون عشقهم للحياة وكراهيتهم لثقافة الموت، حتى أن بعض أبنائها لم يصدقوا ما يرون، وكأنهم نسوا ليالي عاصمة الرشيد وحكايات ألف ليلة وليلة، ونسوا حكايات أبو نواس، ولم يعودوا لترديد أشعاره، لأنه وبشكل فاجأ حتى المحتفلين، الذين تفجرت أشواقهم لطبيعة حياتهم التي توارثوها دون أي حسابات للربح والخسارة، بدا الناس وكأنهم خرجوا للإجابة بشكل جماعي على سؤال أي حياة تريدون.تبغدد البغداديون كعادتهم منذ آلاف السنوات، ألقوا أحمال همومهم وانطلقوا صوب المستقبل والأمل، وهم يحملون آمالا عريضة بالأمن والاستقرار، لم يأبهو بالتفجيرات العمياء التي حاولت العودة لإرهابهم وآخرها ما حدث الأربعاء السوداء في مدينتهم التي روعتها عودة لون الدم ليصبغ وجه الحياة، كان في أعماقهم إحساس بالتحدي لكل الذين يسعون للعبث بحياتهم، والذين يسعون لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى حكم الدكتاتور وعائلته، وإلى حكم الحزب الواحد، والعائلة الواحدة، والفرد الأوحد الذي يحمل من الصفات والأسماء ما يفوق القدرة البشرية على التحمل، وما يفوق أسماء وصفات الله الحسنى، وكانوا يتحدون الطائفيين، الذين سعوا للتفرقة بين مذاهب دينهم، ليس فقط في الاجتهاد، وإنما في طبيعة الإيمان، وبحقد يؤكد بعدهم عن الدين، والذين استماتوا للتفريق بين قوميات العراقيين المتآلفة منذ تكوين العراق، ونسوا أن أبناء تلك القوميات يتمسكون بعراقيتهم اليوم أكثر من أي وقت مضى.في عيد الفطر انتصرت ثقافة الحياة والفرح والأمل، وهي ثقافة أصيلة عند العراقيين، على ثقافة الموت والعنف الطارئة على حياتهم، انتصرت الثقافة التي وضعت بلاد الرافدين على خارطة الحضارة الأقدم في عالمنا، والتي منحت العراقيين شرف الريادة علماً وأدباً وفناً، والتي أفضت إلى التماع نجوم المبدعين العراقيين في كل سماء، انتصرت ثقافة الحياة مرة ثانيةً، وابتهج العراقيون بالعيد، وهم ينظرون بأمل إلى أيام قادمة كلها أعياد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة
الملاحق

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة

  دمشق / BBCبعد أيام من سقوط القذائف السورية عبر الحدود إلى تركيا، ما يزال التوتر وأعمال القتل، تتصاعد على جانبي الحدود، في وقت أعلن فيه مقاتلو المعارضة قرب السيطرة على معسكر للجيش النظامي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram