TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > قراءة في شعر محمد الماغوط

قراءة في شعر محمد الماغوط

نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 01:59 ص

زيد الشهيد يتداخل النص الشعري اعتماداً على تداولية ما يجري في الفضاء المحيط ، والدواخل الغائرة لمنتج النص .. ولا يُنتَج النص كتداولية حرفية تفتقد الحميمية وتنأي _ في عديد الأحيان _ عن الصدق الروحي ؛ إنّما كحاجة يتطلبها السؤال السرمدي للإنسان : لماذا أنا هنا ؟! ... ومن هذا السؤال تنبري جموع الاستفهامات المتلاحقة بحثاً وتفصيلاً ؛ وقوفاً وتعللاً لأنَّ النص تمخِّضٌ روحي يُنتج روحاً لها قابلية الإرهاص والتأجج ، وفيها حتمية الاستمرار وزهرة البقاء .
وإذا كان شعرنا العمودي القديم والمتقدِّم عبر الحقب جاء بمعظمهِ انثيالاً ، وتدفَّقَ سيلاً من صور وتعابير يقولها مَن أراد القول ؛ ويبوح بمفرادته مَن هوي البوح ؛ ورأينا إلي شعراءَ يتجيَّشون _ نقلت الذاكرة الجمعية أسماءهم ونصوصهم فيما اندثر الكثير منهم ومن إفاضاتهم _ فإنَّ شعر اليوم ليس كذلك . ليسَ من اليُسر قوله ، ولا من البساطة الكتابة بكلمات سيُقال عنها شعراً .. إنّهُ أقسي من ذلك وأعقد . دروبه أكثر مطبّات ؛ والتواءاتُه أكثر شراكاً . يدخلها المستسهل فيتعثّر في أول الخطي ؛ ويلجّها المُستهين فينكفيء مطعوناً با?تلكؤ والخيبة ، فقد " أصبح الشعر صراعاً لا هوادة فيه مع الكلمات والمعاني ؛ كما أصبح جهاداً وتعذيباً للقوي العقلية من أجل الوصول إلي مرحلة الإدراك ." كما يشير لذلك جيمس مكفارلن ، هذا إذا تناولنا شعرنا المتوارَث الذي بني صروحه علي هيكلية الوزن والقافية ، وراكَمَ وجوده قروناً متعاقبة ؛ فما بالك بالوافد الجديد الذي لا يتجاوز أكثر من نصف قرن وأقصد به الشعر المنثور ، مَن تجمعت الأصوات واقتربت من التوافق علي تسميته بقصيدة النثر وهو بحاجة إلي ذائقة خاصة . ذائقة تخرج علي إطار المتوارث بقصدية التعلّم الذي هو حاجة . ح?ّي لو كان ذلك صعباً بدعوي أنَّ الذائقة مجبولة علي متوارَث مهيمن له رنينه وموسيقاه الغائران في أعماق طبقات التذوّق . والمتلقي في مسعاه لارتشاف واغتراف ما يشيع الرغبة ويحقّق فعل الشغف لا بدَّ أن يهيئ ذائقته لتحويل المشهد النثري إلي صرح قصيدي شعري يتساوق وتكيّف الذائقة ؛ يتماهي وغرض النص ، إذْ " ينبغي أن يكون في داخل كل قاريء شعر ، قاريء نثر . والجهد المبذول في جعل نص شعري قصيدة يتطلّب زيادة في الطاقة تفيض علي إفشال التأويلات النثرية . وإذا لم يجهد القاريء نفسه في مشهد نثري فلن تحضر القراءة الشعرية .rnالتأويل الشعريrnوالمهارة التي يتطلبها التنأويل الشعري تتضمن اهتماماً قويّاً بالمعني النثري مقروناً بالاستعداد للاندفاع وراء المعني الشعري لتوليد معانٍ جديدة ." وفهم توجّهات خالق النص الشعري في التعبير حيث القراءة لا تنظر للشاعر مُرتّب مفردات وباني آجرات فحسب ، إنّما هو عارض كيان ، ومُلهِم أفكار ، ووسيط أزمان عبر نصّه الذي يمكن أن نطلق عليه " الميتاوسيط ".rnوحين يقف الشاعر ليمسك بعنف اللحظة كي تمنحه التأمل تتهاوي كل سدود القوافي ، وتهرب من إزائه البحور والتفاعيل .. يتواري الجَلَد فيلجأ إلي المفردة يستحثّها لجلب قريناتها من المفردات بحالةٍ أشبه بالدمع الدفيق ، أو النحيب الصارخ ؛ فتتجلّي _ أي المفردات _ مدّاً أبدياً من بوحٍ وسواقٍ جرّارة من صور حُسِبَ لها حساب الرفض ، وخُشيَ منها خشية الارتداد هروباً من تهمة التساهل التي قد يوصمها المتلقّي القاريء به ؛ ذلك أنَّ " أعظم خيانة يرتكبها الكاتب هي أن يصوغ الحقيقة الصعبة في عبارة رخيصة " كما يقول راندل جاريل . فالتساه? هو ما ولّدَ الهباء الذي نلمسه في كثير من النشريات سواء علي مستوي الصحف والمجلات أم علي نواصي الكتب التي يُعلن إصدارها ، فتتدفّق هشّةً خاوية مُبتلاة بالفراغ وإنْ جاهرت بامتلائها . يلاحقها التقزّم وإنْ أظهرت اعتداداً بارتفاع القوام . إذْ ما يبقي هو ما يهز دواخل القارئ ويهشّم لديه استقرارية البحيرة الراكدة في فضاء روحة المتشوّقة ، المنتظرة لحجر الرجرجة والانتباه . إنَّ الشعر ممارسة وجدانية لا يبقي أثر فعلها وتأثير حفرياتها إلاّ عندما تكون فاعلة وذات تأثير جاءت من منهل الأعماق المتلظية بشواظ العنف الذاتي المت?الد إمّا من سادية محتدمة أو مازوشية مؤثرة تدفع بالذات إلي الهتاف صراخاً ليخرج صداها متسللاًّ من منعطفات الأعماق إلي فضاءات الذوات المتصالبة عيونها تطالع الآتي بما يحمله علي أكتافه من افضاءات .. هكذا يترك الناص أثره ويطبع مؤثراته ، فيأتي النص محملاً بالدلالات . هكذا نرافق الماغوط في تصرفه مع المفردات ، ومحاكاته مع جملة الطروحات :rnالذين ملأوا قلبي بالرعب / ورأسي بالشيب المُبكّر / وقدحي بالدموع / وصدري بالسعال /rnوأرصفتي بالحفاة / وجدراني بالنعوات / وليلي بالأرق / وأحلامي بالكوابيس .rnوحرموني براءتي كطفل ٍ / ووقاري كعجوز / وبلاغتي كمتحدّث / وصبري كمستمع / وأطيافي كأمير /rnوزاويتي كمتسوّل / وفراستي كبدوي / ودهشتي كمسافر / وحنيني كعائد . ثم أخذوا سيفي كمحارب /rnوقلمي كشاعر / وقيثارتي كغجري / وأعادوا لي كلَّ شيء وأنا في الطريق إلى المقبرة / ماذا أقول لهم أكثر ممّا يقوله الكمان للعاصفة ؟rnهذا السؤال المحمّل بالاستطالة ، المتمخّض أسئلةً حُبلى بالهتاف ، والمثقل بعبير الآه الشفيف لا بدَّ إلاّ أن يزرع في أرض إبحار المتلقّي متعة الألم اللذيذ ليحصد مرارة النشوة الباكية .rn rnريشة الكلماتrnمن السؤال تأتي ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram