TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق : رسائل الموت

سلاما ياعراق : رسائل الموت

نشر في: 26 سبتمبر, 2011: 09:39 م

 هاشم العقابي لا أظن ان هناك مصيبة تفوق مصيبة ان تجد بين الناس جمعا يقرأ رسائل الموت بالمقلوب. وهذا قد لا يكون بسبب غياب الضمير عند الناس بل هو على الأغلب بفعل تردي الوعي أو تجذّر الخوف والرعب في نفوسهم. والرعب إذا ترافق مع قلة الوعي قد يصبح  أكثر ضررا من فاقد الضمير احيانا.
يحضرني في توضيح ما ذهبت اليه مثالان. فعن قلة الوعي اذكر ان مؤسسة للتوعية الاجتماعية بمصر قامت في الستينيات من القرن الماضي بحملة لتنبيه الناس بأهمية تحديد النسل الذي تسبب عدم تنظيمه في تفشي الفقر بين المصريين. عمدت المؤسسة الى إصدار بوستر يحمل صورة عائلتين. الاولى كانت لزوجين يقف بجانبهما طفلان يرتديان أجمل الملابس والابتسامة تعلو وجهيهما ووجه أبويهما في جو من البهجة والفرح. والثانية لسيدة وزوجها يدور حولهما ستة أطفال بملابس رثة يغطيهم الذباب. الأم مصفرة من الجوع والبؤس. والأب في وضع مزر تقرأ الحزن والمرارة ببساطة على ملابسه ووجهه. علق البوستر في اكثر من مكان خاصة في المناطق القروية. تقول احدى المشرفات على الحملة ان فلاحة وقفت أمام الصورة ,وبعد ان تمعنت بصورة العائلة ذات الطفلين، علقت: "شوفوا الوليه المسكينة دي اللي ربنا حرمها من العيال وما خلفتش غير عيلين بس" وعن العائلة الثانية قالت: "وشوفوا بخت التانية ويا هناها اللي ربنا كرمها بستة عيال. سبحانك يا كريم". أما عن فعل الخوف في النفوس، فلا يمكنني ان أنسى ما رأيته يوما في إحدى شوارع مدينة الثورة بالصدفة في أوائل العام 1980 أثناء عودتي من الدوام. كانت هناك سيارة سوداء وصندوق خشبي وضع على الأرض أمام احد البيوت كتب عليه: "مجرم". فهمت انهم المخابرات أتوا بأحد المعدومين لتسليم  جثته الى أهله. وهاهم يطلبون من أمه ان تدفع ثمن الرصاصات التي اعدم بها مع تحذيرها من مغبة فتح الصندوق أو البكاء أو إقامة العزاء. كانت الأم المسكينة لا تمتلك المبلغ فصارت تطرق الأبواب لعل أحدا يقرضها. من بين المتفرجين كانت هناك جارة تبرعت، من دون ان يسألها احد أو يطلب منها، لتهتف: "شفتوا بالله هذا المجرم اشسوه بأمه خلاها اتدك البوب وتجدي". ثم شتمت المعدوم واتهمته بانه عديم الوفاء وانه قد أحرج أمه التي ربته وتعبت عليه. هكذا هو المرعوب يرى الضحية جلادا.شيء يبعث على اليأس ويقتل في النفس جذور الأمل بالخلاص حين نرى في العراق بعضا من الناس لا يجيدون قراءة رسائل الموت التي تطرق الأبواب كل يوم. رسائل ربما تجاوز عددها عشرات أو مئات الألوف. ففي قتل كل إنسان عراقي رسالة كتبت بخط واضح وبليغ. اما التفجيرات الأخيرة  التي حدثت في النخيب وكربلاء والأنبار وغيرها من مناطق العراق،  فاني أراها تحمل رسائل أكثر وضوحا و "بلاغة" من التي سبقتها. انها رسل الإرهاب والاستبداد الجديدة إلينا. أفما آن لنا ان نجيد قراءتها ونعيد قراءة التي قبلها بوعي؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram