TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > الماغوط.. الشاعر الخائن

الماغوط.. الشاعر الخائن

نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 02:03 ص

عوّاد ناصرالكاتب، أي كاتب، تراه وتسمعه وتحسه في كتاباته، لكن أن يتحدث عن نفسه، في فضائية عربية، فهو في مواجهة المرآة التي لا تخون، إلا النساء، وحديث الماغوط يشبه كتابته بخلاف كثير من الكتاب الذين "يعنطزون" في الكتابة ويتلعثمون في الحكي.. شاهدته يوماً على إحدى الفضائيات فكان الناطق الشعبي باسم الفقراء والمهمشين والمخدوعين.رائع هذا الرجل الذي جعلنا نتشمم ياسمين الشام من كوة زنزانة دمشقية (كان سجين سجن المزة في الستينات).. ولماذا سجنوك، يا أبا شام؟ يقول: "كان مقر حزب البعث بعيدا عن بيتنا في القرية، وما في (صوبيا مدفأة) بينما كان مقر الحزب القومي السوري قريباً وفيه صوبيا".
كتب "سأخون وطني" لأنه يحب وطنه بخلاف الخونة الذين "يحبون وطنهم". وعندما كتب قصيدته "ساعي البريد" التي حمّلها كل أوجاع المعذبين والمذلين والمهانين ليرفعها الى الله في رسالة، لم يخف خشيته "من أن يكون الله أمياً".شاعر، أنقذ القصيدة العربية، النثرية خصوصاً، من حذلقات اللغة الماكرة وحررها من عبوديتها للبلاغة الكاذبة.يقول: "عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف مَن يضع رأسه؟".الماغوط لم يقرأ الشاعر الشعبي العراقي حجي زاير الذي قال في نهاية القرن التاسع عشر: rn"والله، يا صاح، حظ الجالسك، يا عون ( هنيئاً له) الناس بهواك سكري، هل تظن ياعون؟ ( يعون) أنتَ الذي، دوم، ردتك بالشدايد عون ( معين) وخيول هجرك تردهن بالوصل لو جن ( إذا جئن) وهلال سعدي يهل ليلي على لو جن ( إذا جن ليلي) والناس لـ "عون" ( صحابي كان مقصد المرضي للشفاء) تقصد بالذي لو جن (الذي جُنّ) إلمن يودون قل لي لو تسودن عون؟"والماغوط بطل وشهيد، رغم اعترافه المتواري خلف حبه لوطنه بأنه "خائن" فهو جمع الخصال الدرامية الثلاث القاتلة في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا الذي لن يأتي..البطولة والشهادة والخيانة.هو بطل لأنه قال ما قال رغم أنه خائف تقليدي، والشاعر مخلوق هش، كما قال لأنه لا يرتجف من الجوع ولا من البرد بل من الخوف حيث ترتعش ركبتاه و "الخوف ظلم".. حسب تعبيره.. الى الحد الذي لازمه خوفه رغم أنه مكرّم من الدولة وفي حمايتها، لكنه يرتعش كلما طُرق باب بيته!وشهيد لأنه رحل خالي الوفاض إلا من كلماته.rnو "خائن" لأنه أحب وطنه حد الخيانة كتورية تستبطن الحرية.قال: "الخوف لا يُشرَح مثل الله لا يُفَسَّر.. مثل البحر.. مثل السماء، فيه حدا يعرف شو فيه بالسماء؟ كواكب متصلة ببعضها، والخوف سياط ، كماشات، أسنان مقلوعة وعيون مفقوءة عم تغطي العالم، والعالم عم يرقص ويغني ولا يبالي، الخوف هو الظلم".كان محمد الماغوط قريباً من مزاجي الشعري، منذ قراءاتي الأولي حين قرأت كل كتبه في بغداد بداية السبعينات، وكان قريباً مني سكناً، لسنوات عدة، في دمشق الثمانينات، لكنني لم أجرؤ على التعرف علىه شخصياً لأسباب عدة.. ومن دون أسباب!rnمن بعيد كانت كتاباته تنعجن، في وعيي ولا وعيي، لأنها جسدت قولة ابن عربي في الشعر بأنه "تكثيف أقوال المارّة".يا لله، كم كان الماغوط حزيناً على أمته وهو يكثف أقوال المهمشين والمنسيين في الزنازين والرصفة والبيوت الجائعة.كان حزيناً الى حد الضحك.. والمأساة، مسرحاً وشعراً، هي مادته المركزية للكوميديا.rnأ لهذا تنهمر دموع الناس عند البكاء والضحك معاً؟rnإنه الكاتب الذي يمتلك القدرة الفائقة على تحويل البيان المتجهم إلى سخرية عندما تكون حياة الناس ومجرياتها أهم وأخطر من الكتابة وأكثر جدارة بالاهتمام من لغة سيبويه واضرابه:rnيقول: "استوقفني لغوي مسلكي ليصحح لي خطأ لغوياً ورد في نص لي قائلاً: "يا أستاذ، أنت أدخلت "طالما" على الإسم، وهذا خطأ، فهي تدخل على الفعل فقط" فأجبته: "لا، بدها تدخل.. ناس عم يدخلوا السجون، على المعتقلات، على المصحات العقلية، جواسيس طالعة فايته، ما ضاقت عينك إلا من "طالما" تبعي..؟".rnكان الله في عونك، يا دمشق، على ابنك المشاكس.rnكان الله في عونك يا سنية صالح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram