بشير حاجمعام 1968، رأي غالي شكري ، وهو يؤشر اتجاه السهم لحركة الشعر الحديث(1)، ان اطلاق تسمية (قصيدة النثر)، آنذاك ، كان آخر رواسب الحس الكلاسيكي في الحركة التجديدية الحديثة للشعر العربي .ذلك الرأي ، المسؤول طبعا ، لم يكن سوي ايضاح اولي ، مبدئي ، كان لابد له ، لشكري ، ان يبدأ به ، ومنه ، حتي يتلوه ببقية اوجه الاختلاف ، الذي كان اختلافا ، بينه وبين دعاة تلك القصيدة .
من اولاء الدعاة ، كما وصفهم يومها ، كان شكري ، محملا اياهم مسؤولية اساءة التسمية - قصيدة النثر - اليهم ، قد لاحق اربعة : انسي الحاج / توفيق صايغ / جبرا ابراهيم جبرا/ محمد الماغوط(2).rnفالأول ، لا شك عنده ، كان من اولئك ، الشعراء ، الذين اختاروا (التجاوز والتخطي) احتجاجا مذعورا علي حضارتنا . لكن التجارب الأولي لأنسي الحاج(3) ، وهو يختار ذينك الاحتجاجين المذعورين، لم تصل الي درجة - ما - من التكامل الاّ في (احدث ما كتب ).(4) ولعل بعض قصائد ألـ ( احدث ) ذاك ،كانت ،تؤكد ثبات الحاج علي جوهر اتجاه ذلك الاختيار في (لالتحام العميق الحر) باحدث منجزات ( التكتيك الشعري الاوربي ). rnداخل اطار ذلك الاتجاه ، ذاته ، كان شعر توفيق صايغ(5) . غير ان ((التجاوز والتخطي )) لديه ، يقول شكري ، اذا كانا مطلقا جديدا ، اّخر ، فليس هو ، هذا المطلق : الجديد / الاخر ، في الشعر ، لا ، انما في الحياة 0 أي ان هنالك، تحصيل حاصل ، مايمكن تسميته بالوحدة في شعر صايغ ، تجاوزا ، لا بين الشكل والمضمون ، فهذه قضية بائرة ، بل بين طبيعة الرؤيا _ ؟ !- ومختلف العناصر المكونة لها، للطبيعة ام للرؤيا؟!، من ادوات اللغة والفكر. rnكذلك جبرا ابراهيم جبرا (6) ، يؤكد شكري ، هو - الاخر - احد ابناء الاتجاه نحو (التجاوز والتخطي). لكنه ليس كصايغ ، مثلا، يتجاوز ازمته ، بهجرانها نهائيا ، ويتبني (حالة جديدة) ، اخري ، تتفق مع ثقافته - العقلية - وتكوينه النفسي . جبرا ارقته المشكلة ، طويلا، وتعذب من اجلها ، عذابا مريرا ، فلم يجد مناصا من ترسيخ احدي قدميه في تربة ( التخلف الرهيب) ، ما وجد أي مناص من ذلك ، علي ، كما قال شكري ، ان يثبت القدم الاخري في تربة ( التقدم العظيم ) بيد ان شاعرا واحدا - فقط - من شعراء (التجاوز والتخطي) ، اولئك ، كان ، بحسب ?كري ، قد استطاع ، في (غيبوبة الاندماج السحري القريبة من مادة الحلم ) ، ان يستدرج العالم الخارجي الى داخله 0 ذاك هو محمد الماغوط ، لاسواه ، اذ يلغي كافة النسب الحرفية للواقع ،من ناحية ، ويستغل اقصي درجات الحرية ، المطلقة ، التي يتمتع بها الحلم ، مادة او كمادة ، من اخري(7) 0 فبتشابك الواقع والحلم في تجاربه ، بدءا من ديوانه الاول(8) ، امكن للماغوط، اوتمكن من ، ان يخط لشعره اتجاها خاصا ضمن تيارات (التجاوز والتخطي ) ، حينذاك ، وهو ، ذلك الاتجاه الخاص ، الذي ارسي معالمه سان جون بيرس(9) . لقد نجح في امتصاص قدراته?(العامة) ، لا في تعريبه ، مع تضمينها بمدلولات جديدة ، حديثة ، تتفق وطبيعة الارض ، التربة ، التي يقف عليها، متجاوزا ومتخطيا ، يحيطه ( ميدان الصراع في الشعر العربي الحديث ) ، قبل (47 ) عاما، وان كان ذلك الميدان ، يومذاك ، يتجلي عن هروب شعراء التجاوز والتخطي ) .rnتوضيحات rn(1) ابتداء من ( شعر العامية المصرية وتأصيله ) انتهاء الي ( القصيدة الطويلة وتبلور البنية الدرامية حتي ظهور المسرح الشعري الجديد )..انظر:شعرنا الحديث ...الي اين ؟ ، دار الافاق الجديدة - بيروت ، ط1 / 1968 ، الفصل الثالث rn(2) الغريب ان غالي شكر ي، آنذاك ، انتقد ان ( تكتفي خالدة - سعيد - بملاحقة المجموعات الشعرية الجديدة ) لبضعة شعراء - عرب - احدهم محمد الماغوط !!! ينظر المصدر السابق - نفسه - ص 142 تحديدا .. وتراجع ( خالدة سعيد : البحث عن الجذور ، دار مجلة شـعر - بيروت ، ط1 / 1960). rn(3) في ديوانيه (أ) لن ، دار مجلة شعر - بيروت ، ط1 /1960 (ب) الراس المقطوع ،دار مجلة شعر - بيروت، ط 1 / 1963 rn(4) هو ، حينذاك ، ديوانه : ماضي الايام الآتية ، المكتبة العصرية -بيروت ، ط1/ 1965 rn(5) دواوينه : (أ) ثلاثون قصيدة ، دار الشرق الجديد - بيروت ، ط1 /1954 (ب) القصيدة ك ، دار مجلة شعر -بيروت ،ط1/ 1960 (ج) معلقة توفيق صايغ، المؤسسة الوطنية - بيروت، ط 1/ 1963rn(6) ديواناه : (أ) تموز في المدينة ، دار مجلة شعر - بيروت ، ط1/ 1959 (ب) المدار المغلق ، المؤسسة الوطنية -بيروت ، ط1/ 1964 rn(7) من حيث الشكل ، فضلا عن المضمون ، يستخدم الماغوط ، مما يستخدمه ، مبدأ ( التواتر ) ، مثلا، لكي يحقق (الالغاء) و (الاستغلال ) هذين .. و(التواتر) ، تعريفا ، هو ضرب من الايقاع الداخلي ، الباطني ، تنحو فيه القصيدة الي الاستدارة ، جزئيا او كليا ، وتخضع حركتها الداخلية للتداعي الصوري 00 ينظر ، هنا ، الياس خوري : دراسات في نقد الشعر ، مؤسسة الابحاث العربية - بيروت ، ط3/ 1986 ،ص 168 .. ويقــول حاتم الصكر ان كثيرا من شــــــعر الماغوط ( ينضوي تحت هذا الاتجاه ).. انظر : ما لا تؤديه الصـــــفة - المقتربات اللسانية ?الاسلوبية والشعرية ، دار كتابات -بيروت، ط1/ 1993 ، ص 37 rn(8) حزن في ضوء القمر ، دار مجلة شعر - بيروت ، ط1/ 1959 rn(9) سوزان بيرنار : قصيدة النثر - من بودلير الي ايامنا ، ترجمة / زهير مجيد مغام
شعر الماغوط قبل خمسة عقود إستدراج الخارجي إلى الداخل
نشر في: 26 سبتمبر, 2009: 02:07 ص